زيادة كبيرة بالإنفاق تعزز اقتصاد الحرب في روسيا

منذ 1 سنة 142

بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، اتخذت رائدة الأعمال الروسية، آنا غروموفا، قراراً سريعاً بفتح وكالة عقارية، على أمل إنشاء شبكة أمان في مواجهة التداعيات الاقتصادية للصراع. وجاء هذا التغيير الوظيفي بثمار إيجابية.

في غضون أسابيع، أبرمت صفقة لشراء شقة فخمة يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثامن عشر، بأرضيات خشبية وأسقف عالية في قلب العاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة سانت بطرسبورغ. ومنذ اشتعال الحرب، توقفت المالكة عن القدوم إلى روسيا، ما سمح للعميل بشرائها بنحو 40 في المائة أقل من قيمتها الحالية.

عن ذلك، قالت غروموفا التي اشترت لنفسها عقارين استثماريين وتوسطت في بيع 150 آخرين خلال العام الماضي: «لقد اعتدنا في روسيا العيش في حالة أزمة دائمة». وأضافت أنه في خضمّ الصدمات المستمرة، يبحث الناس عن «فرصة» لتأمين دخلهم.

تلقَّت أعمالها دفعة بدعم من طفرة الإنفاق التي تقودها الدولة، والتي عززت الاقتصاد الوطني رغم تعرُّض البلاد لأسرع حملة عقوبات وأوسعها نطاقاً من جانب دول غربية في التاريخ الحديث.

خلقت القوة الاقتصادية إحساساً بالرفاهية في أوساط الروس، وأسهمت في الحفاظ على الدعم الشعبي للحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن بعض الخبراء الاقتصاديين، وكذلك رئيس «البنك المركزي الروسي» الموقر حذّروا من أن هذا القدر من الإنفاق يهدد الاستقرار المالي بالبلاد.

القلق أن الحكومة تضخ الأموال في الاقتصاد بسرعة كبيرة. ومع تحوُّل الغزو الروسي إلى حرب استنزاف، وجَّه بوتين الاحتياطيات المالية الضخمة للبلاد نحو توسيع الإنتاج العسكري، في الوقت الذي أغرق الروس الأفقر بمعاشات ورواتب ومزايا أعلى، مثل الرهون العقارية المدعومة.

من ناحيتها، قالت غروموفا (44 عاماً) التي انتهت قريباً من سداد أحد القروض العقارية الخمسة التي حصلت عليها: «يواصل الجميع الشراء بهذه المعدلات المدعومة. ومَن يدفع الثمن؟ الدولة».

وجاءت النتيجة متمثلة في ارتفاع حاد في الطلب على كل شيء، بدءاً من العطلات الصيفية وحتى تزويد السيارات بالوقود. ويؤدي كل ذلك إلى زيادة التضخُّم. وفي محاولة لمنع الاقتصاد من الإنهاك، رفع «البنك المركزي» في يوليو (تموز) أسعار الفائدة أكثر عن المتوقَّع.

ويتوقع البنك نمو الاقتصاد الروسي بمعدل يصل إلى 2.5 في المائة هذا العام، وهي وتيرة أسرع عن المعتاد من شأنها تمكينه من استعادة جميع الأنشطة الاقتصادية التي اختفت منذ بداية الحرب. وتقترب البطالة من مستوى قياسي منخفض، والأجور الحقيقية تنمو بشكل مطرد هذا العام، في ظل تنافس المصانع الحكومية والشركات الخاصة على العمالة الشحيحة.

من ناحيتهم، يتفاخر مسؤولون تنفيذيون بمجال الصناعة الروسية أمام بوتين علانية بأن مصانعهم ترفع الإنتاج إلى مستويات لم تعاينها البلاد منذ الحقبة السوفياتية، وتعمل المصانع على مدار الساعة في 3 نوبات لتلبية الطلب العسكري.

في سانت بطرسبورغ، يقول القائمون على ورش النسيج المحلية إنهم يجابهون صعوبة في العثور على عمال مؤهلين ومواد، من أجل تلبية طوفان من الطلبات على الزي العسكري، بينما في المنطقة الصناعية في سفيردلوفسك، اضطر مصنع دبابات محلي في الفترة الأخيرة إلى التعاقد مع مئات من السجناء داخل سجون محلية، في محاولة للالتزام بأهدافها.

وأدَّت أرقام النمو القوية إلى قلب توقعات بعض المسؤولين الغربيين بأن تداعيات خوض الحرب ستدفع روسيا إلى ركود طويل الأمد، وتؤدي إلى رد فعل شعبي عنيف ضد حكومة بوتين.

قبل 3 أشهر فقط، توقع محللون غربيون أن يتراجع الاقتصاد الروسي بنسبة 0.9 في المائة هذا العام، تبعاً لمسح شمل 19 بنكاً استثمارياً ومؤسسات بحثية أخرى أعدته مؤسسة «كونسنسس إكونوميكس» البريطانية. وتأرجحت توقعاتهم هذا الشهر حول نمو بمعدل 0.7 في المائة.

اللافت أن الإقراض توسع بسرعة منذ الغزو، مع سعي الحكومة لتحفيز النمو وتعزيز الإنتاج العسكري. وزادت قروض الشركات بنسبة 19 في المائة في العام حتى يونيو (حزيران)، طبقاً لأرقام «البنك المركزي الروسي».

وارتفعت القيمة الإجمالية للرهون العقارية التي قدمها أكبر 20 بنكاً في روسيا بنسبة 63 في المائة في النصف الأول من هذا العام، تبعاً لما ذكرته مؤسسة الإقراض «دوم آر إف» التي تديرها الدولة، وكذلك شركة «فرانك ميديا» للأبحاث العقارية.

في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، جرى دعم واحد من كل رهنين عقاريين جديدين من قبل الدولة، عبر برامج اجتماعية مختلفة تقدم قروضاً للمشترين للمرة الأولى، بمن في ذلك الجنود، بمعدلات فائدة تفضيلية.

وقال جندي في مقطع فيديو سجلته وزارة الدفاع هذا الشهر: «يمكنك أن تخدم بجيش وطنك، ولا تضطر إلى التفكير كثيراً، لأنه سيكون لديك منزل مضمون خاص بك»، وذلك في إشارة إلى الرهون العقارية المدعومة.

من ناحية أخرى، جاء تأثير الإنفاق العام واضحاً بشكل خاص في المناطق الأكثر فقراً على أطراف البلاد، التي توفر الجزء الأكبر من الإنتاج العسكري والجنود. كما جنت المناطق المتاخمة لأوكرانيا وشبه جزيرة القرم المحتلة مكاسب اقتصادية من الاستثمارات الكبيرة في التحصينات العسكرية، ووصول عشرات الآلاف من أفراد الخدمة، حتى في الوقت الذي عانى السكان من هجمات صاروخية وطائرات مسيرة انتقامية من جانب أوكرانيا على نحو شبه يومي.

من جهتهم، يرسل الجنود رواتبهم، التي عادةً ما تفوق متوسط الدخل المحلي عدة مرات، إلى أسرهم. وتحصل عائلات المتوفين على تعويضات يمكن أن تتجاوز دخلها السنوي.

وفي شبه جزيرة القرم، تضاعف الإنفاق، وعندما تعرض الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا للهجوم في الفترة الأخيرة، امتد ازدحام مروري يتكون بشكل أساسي من السياح الروس المتجهين إلى شبه الجزيرة المحتلة لأكثر من 5 أميال، حسبما أفادت به وسائل إعلام محلية.

وقالت مذيعة أخبار حكومية روسية: «من وجهة نظر البعض، يبدو الأمر بمثابة مغامرة جديدة»، في إطار وصفها لكيفية اضطرار السياح إلى التحول إلى عبَّارة، بعد أن أدى انفجار إلى انهيار جزء من الجسر، ما أسفر عن مقتل عائلة بأكملها.

أدى توسع الإنفاق وتراجع عائدات النفط والغاز الروسية إلى دفع ميزانية الدولة إلى عجز. وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، أنفقت الحكومة الفيدرالية الروسية بالقيمة الاسمية ما يقرب من 50 في المائة أكثر مما كانت عليه في الفترة ذاتها من عام 2021، طبقاً لحسابات «معهد غايدار الاقتصادي»، ومقره موسكو.

وتراجعت عائدات الطاقة في البلاد من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) إلى النصف، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع إجبار العقوبات روسيا على بيع نفطها بسعر زهيد، في وقت قلصت فيه دول أوروبية مشترياتها من الغاز الطبيعي الروسي.

كما أن جهود التعافي الاقتصادي مقيدة بشدة، جراء النقص المزمن في العمال في روسيا، وهي مشكلة لا يملك بوتين سوى قليل من الخيارات لحلها.

* خدمة «نيويورك تايمز»