♦ الملخص:
امرأة متزوجة تشكو تسلُّط زوجها، ورفضه خروجها لشراء حاجات المنزل، أو كلامها مع أي رجل بغرض العمل، ويرفض أيضًا أن تخرج مع صديقاتها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا متزوجة منذ ثلاث سنوات، مؤخرًا زادت المشاكل بيني وبين زوجي، وهي مشاكل تافهة، لكن سوء الفَهم هو المسيطر؛ فمهما حاولنا أن نحل مشاكلنا بالتحاور والمناقشة، فلا فائدة؛ زوجي لا يحب أن أشتري أغراض المنزل، ولا أن أُكلِّم رجلًا بغرض العمل أو بغرض البيع والشراء، ولا يحب أن أخرج مع صديقاتي، وإذا خرجتُ يكلمني ألف مرة، ويدَّعي أن هدفه أن يطمئنَّ عليَّ، وإذا تأخرت نصف ساعة، يفتعل مشكلة، فكل شيء مسموح له، وممنوع لي، في كل مشكلة تحدث بيننا تزداد حِدَّة الخلاف، ونتفق على الطلاق، لا أدري ما الحل؛ فأنا أكره عقلية الرجل المتسلِّط؛ فقد نشأت في بيت يتمتع بالديمقراطية، فأبي – أطال الله عمره – لين الجانب، أعطاني حريتي، وفي الوقت نفسه حدَّ لي حدودًا لا أتخطاها، لكنَّ زوجي ذو عقلية صعبة، فبمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلتكِ محصورة في:
1- كثرة الاختلافات بينكِ وبين زوجكِ على أمور قلتِ عنها إنها "تافهة".
2- زوجكِ لا يحب أن تشتري أغراضَ المنزلِ.
3- ولا يحب أن تكلمي رجلًا بغرض العمل أو لشراء أغراض المنزل، بل ولا يحب أن تخرجي مع صديقاتكِ.
4- وإن خرجتِ مع صديقاتكِ يتصل عليكِ مرات كثيرة جدًّا؛ حتى يتأكد أين أنت، ولكنه يبرر كثرة اتصاله برغبته في الاطمئنان عليكِ، وإن تأخرتِ نصف ساعة اختلق مشاكلَ تنتهي بالاختلافات.
5- بسبب هذه المشاكل كنتم تتفقون – كلما حدثت مشكلة - على الطلاق.
6- وتقولين: إنكِ لا تطيقين عقلية الرجل المتسلط.
7- وتقولين: إنكِ تربيتِ في بيت ديمقراطي، وإن والدكِ كان مرنًا، وأعطاكِ حرية بحدود من المستحيل أن تتعديها.
8- وأخيرًا تقولين: إن زوجكِ ذو عقلية صعبة.
ثم تسألين عن نصيحة تنفعكِ، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين تربيتكِ وقناعاتكِ، وتربية زوجكِ وقناعاته، وهذه الفجوة هي سر من أسرار مشاكلكما؛ لقناعة كل منكما الراسخة بأنه على صواب، وأن الثاني مخطئ تمامًا؛ لذا لا بد من نظر كل منكما للأمور بعين العدل والإنصاف، وتخليص نفسيكما من التعالي والنِّدِّيَّة.
ثانيًا: يبدو أن زوجكِ تربَّى على الغَيرة على المحارم، والخوف عليهن، وزاد من غَيرته وخوفه ما يسمعه هنا وهناك من قضايا أخلاقية بُنيت على عواطف وهمية، وحتى إن تجاوز أحيانًا في بعض المواقف حدود الغيرة المحمودة، فقدِّري غَيرته وخوفه عليكِ، واحمدي ربكِ أن رزقكِ زوجًا يغار عليكِ، ويخاف عليكِ، ولا تفسريها بسوء ظنه بكِ أو بتسلُّطه عليكِ.
ثالثًا: الأصل الشرعي في المرأة المسلمة هو القرار في البيت؛ لخدمة الزوج والأبناء وإسعادهم، وليس كثرة الخروج من المنزل؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (14/ 179): "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى.
هذا لو لم يَرِدْ دليلٌ يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع؟
فأمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفًا لهن، ونهاهن عن التبرج"؛ [انتهى كلامه رحمه الله].
ولكن لِما حصل في هذا العصر من فتنة كثرة خروج النساء، أصبح الأصل الشرعي في عُرْفِ البعض هو النَّشاز والتحجُّر والصعوبة في التعامل.
رابعًا: أنصحكِ ألَّا تدمري حياتكِ الزوجية بالتعامل الندي، ولا بكثرة المجادلات التي ربما أدت للطلاق، وحينها تندمين أشد الندم.
خامسًا: ليسعْكِ ما وسع أمهات المؤمنين ونساء المسلمين من الستر والعفاف والقرار في البيت.
سادسًا: من صفات المؤمنين الكُمَّل التسليمُ لشرع الله سبحانه، والتلذذ بتنفيذ أوامره عز وجل؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
سابعًا: لا بد أن تثبتي لزوجكِ أنكِ وقَّافة عند حدود الله، لا ترضين أبدًا بما يضير دينكِ وخلقكِ، وتأكدي أن زوجكِ إذا اطمأن لصحة استقامتكِ، ولسلامة صديقاتكِ من لوثات الحضارة المزيفة، فسيطمئن قلبه، وسيتساهل معكِ.
ثامنًا: ونقول للزوج الكريم حفظه الله: جزاكِ الله خير الجزاء على غيرتك، ولكن انتبه لا تتجاوز الغيرة المحمودة إلى الغيرة الممقوتة؛ التي ربما أدت لسوء الظن، وإلى التجسس، وإلى التشديد المتجاوز للخطوط الحمراء الذي ينفر الزوجة، ويجعلها محلَّ ريبة وشكٍّ فتكرهكَ؛ ولذا فاضبط غيرتك بالحكمة والموعظة الحسنة والحدود الشرعية المرعية.
تاسعًا: وننصح الزوج الكريم بأن يتذكر قوله سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وكيف تحصل المودة والرحمة والسكن في ظل افتعال المشاكل والاختلافات؟ لا يمكن أبدًا، بل لا بد حتى تحصل من التغاضي عن بعض الأمور، والتسامح في البعض الآخر، وحسن الخلق بشكل عام؛ لقول الله سبحانه: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، واعمل بالحديث التالي؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأة خُلقت من ضِلع، وإن أعوج شيء في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء))؛ [متفق عليه].
عاشرًا: ننصح الزوج الفاضل أن يُركز على حسن التعامل مع زوجته؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ [الترمذي]؛ قال الشوكاني: "فترى الرجل إذا لقيَ أهله كان أسوأ الناس أخلاقًا، وأشجعهم نفسًا، وأقلهم خيرًا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته، وانبسطت أخلاقه، وجادت نفسه، وكثر خيره، ولا شك أن من كان كذلك، فهو محروم التوفيق، زائغ عن سواء الطريق".
حادي عشر: وننصحكِ أنتِ ألَّا تسمعي أبدًا لكلام صويحبات يوسف اللاتي يحرضنكِ على زوجكِ؛ فإنهن أول من سيفرُّ منكِ، وينساكِ إذا أفسدْنَ، ثم تمَّ طلاقكِ، فحكِّمي عقلكِ، وكوني على حذر شديد جدًّا من نصائحهن المدمرة.
حفظكما الله، ورزقكما حسن الخلق والتعامل والغيرة المحمودة، وأعاذكما من نزغات شياطين الإنس والجن.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.