زوجته وحدها تناديه فولوديا

منذ 9 أشهر 142

كان اسمُه بين رفاقه فولوديا. ثم لم يعد أحدٌ يخاطب فولوديمير زيلينسكي باسم التحبّب. الكل يناديه: «سيادة الرئيس». هذا ما يقوله سيمون شاستر، كبيرُ مراسلي «تايم» في كتابه الصادر حديثاً عن الرئيس الأوكراني. والمؤلف صحافي أميركي من أصل روسي. لازمَ زيلنسكي خلال السنوات الأخيرة وسجَّلَ ما يمكن تسميتُه «يومياتِ الحرب»، التي تدخل عامَها الثالث.

عنوان الكتاب: «سننتصر». وبهذه المناسبة نشرت صحيفة «لوبوان» الباريسية مقابلةً مع مؤلفه. ما الانطباع الذي حمله عن زيلنسكي عند لقائهما الأول عام 2019؟ أجابَ أنَّه وجد رجلاً غيرَ مؤهلٍ لدخول ميدان السياسة. كانَ يعمل ممثلاً كوميدياً حين خاض حملتَه للرئاسة. سأله عن نوع العلاقة التي ينوي إقامتَها مع الرئيس الأميركي ترمب والقادة الأوروبيين. واكتشف الصحافيّ أنَّ المرشحَ لم يفكر جلياً في الأمر، وليس له برنامج لما بعد الفوز.

طرأت على الرئيس الأوكراني تغيّرات عميقة بعد بلوغه السلطة. لم يعدِ الفنانَ البشوشَ الودود وارتدى قناع الرصانةِ والتقطيب. كأنَّه يفكّر في أمر ما كل الوقت. يصاب بالتوتر قبل مواجهةِ أنصاره أو الوقوف أمام الكاميرات. ثم يكون في منتهى الانتصار حال انتهاء الخطاب وسماعِ التصفيق. أدرك شاستر أنَّ ما يحرّك زيلينسكي هي رغبته في أن يكونَ محبوباً وموضع إعجاب.

تلقَّى الرئيسُ الأوكراني سيرةَ تشرتشل هديةً من بوريس جونسون، رئيسِ الوزراء البريطاني الأسبق. وذاتَ ليلة أسرّ لصديقه شاستر بأنَّه لم يحبّ تشرتشل ولا نظرته الإمبريالية للعالم. كانَ يفضّل عليه تشارلي تشابلن، أو جورج أورويل كاتبه المفضّل. قاوم الاثنان النازية بالفن وساهما في دحر الديكتاتورية. لعلَّه رأى نفسَه من الطينة ذاتها. غير أنَّ السينما لم تكن سلاحَه ولا الأدب، بل شبكات التواصل. تابعه العالمُ كله من شاشات الهواتف.

والصحافي الأميركي كانَ من القلائل الذين يدخلون المجمَّعَ الرئاسي في شارع بانكوفا. البقعة الأكثر تحصيناً في كل أوكرانيا. وتعود أولى جولاته إلى عام 2009، حيث أجرى مقابلات مع ثلاثة رؤساء مختلفين. وهو يصف القصر بأنَّه يشبه كلَّ منازل الحكم في أوروبا الشرقية. أثاث خشبي ثقيل وستائر مخملية وثريات كريستال. يقول إن زيلينسكي لم يحبّ القصر. وقد تحوّل المكان في بداية عهده إلى قلعة فوضويّة تماماً. كان من المستحيل تقوية الجدران. ولتحصين الأبواب وضعوا طاولات وأرائك خلفها... كأنَّ ذلك يستعصي على اقتحام الروس.

رافق المؤلف زيلينسكي في تنقلاته بالقطار. وكانت مصلحة السكك قد وضعت تحتَ تصرّفه ستَ مقطورات. عربات لا يميزها شيء من السماء، أي من صور الأقمار الصناعية. لكنَّها مؤثثة من الداخل على نمط القصر. ستائر وأخشاب وسجّاد. ويبقى القطار أكثرَ أماناً من التنقل بالسيارات. وفيه استقبل الرئيس الأوكراني نظراءه بايدن وماكرون وشولتس عند زياراتهم له. لم يكن الممثلُ الفنان يفقه تكتيكاتِ الحرب. وضع ثقتَه التامة في القائد العام للقوات المسلّحة. لكنَّه تعلّم فنونَها بالممارسة وكادَ يسحبُ البساطَ من تحت قدمي رفيقه العسكريّ المتمرّس.

لم يعد أحد يناديه فولوديا باستثناء زوجته. يقول المؤلف إنَّها لم تودّ في يوم من الأيام أن تكونَ سيدة أولى. أخذت منها الحرب زوجَها وتباعدت لقاءاتهما. ولأسباب أمنية لم تعد تقيم معه. فما الذي سيستبقيه التاريخُ من سيرة زيلينسكي؟

يقول شاستر إنَّ المؤرخين سيذكرون له موقفَه في مثل هذه الأيام قبل سنتين. كوميديّ شجاع رفض الفرارَ من المسرح أمام غزو القوات الروسية. وهو ما سيبدأ به الخطباء يوم يقفون لتأبينه.