زواج عن بُعد

منذ 1 سنة 188

زواج عن بُعد


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/9/2023 ميلادي - 24/2/1445 هجري

الزيارات: 34



السؤال:

الملخص:

فتاة تعيش في بلد، وتحمل جنسية بلد آخر، والداها يريدان أن يزوجاها من جنسيتها، لكنها ترفض ذلك الأمر؛ لأن تعارفها على الخاطب سيكون عن بُعد، أو يكون من الأقارب، وهي ترفض ذلك، وتسأل: ما الرأي؟

التفاصيل:

أنا في التاسعة والعشرين من عمري، وُلدت وعشت في بلد غير البلد الذي أحمل جنسيته، والداي يفضِّلون الزواج من نفس جنسيتي؛ خوفًا منهم عليَّ، وهو أمرٌ لا أقبل به؛ لأنه يعني أن التعارف بيننا سيتم عن بُعدٍ، أو عن طريق الأقارب - وقد حدث ذلك كثيرًا - وكلا الأمرين لا أريده؛ لأنني أحب البلد الذي أعيش فيه، ولديَّ فيه عمل، وأريد أن أعرف من سأتزوج عن قربٍ، تُوفِّيَ أبي منذ سنة، وأمي - الآن - تريدني أن أتعرف على شابٍّ من أقربائها، عن بُعْدٍ، وأنا لا أريد، وهي تقول لي: إنكِ ترفضين فرصًا وهدايا من الله عز وجل، قد لا تجدينها مرة أخرى؛ فهذه هي المرة الخامسة التي أرفض فيها مثل هذا الأمر، بعد وفاة والدي أقنعتُ أمي بمقابلة شابٍّ من بلدنا، لكنها لم تقتنع، وقد قابلته لإرضائي فقط، ولم يتم الأمر، أقول: إنني منذ 2019 أدعو ربي أن يرزقني بزوج ذي مواصفات معينة، ودائمًا يأتي على العكس مما أطلب من ربي، فأصبحت أدعو ربي أن يصلح لي شأني كله ولا يكلني إلى نفسي طرفة عين، لكن الأمر لم يتغير، ما يشغل بالي ويشعرني بالحزن أنني لا أعلم هل هذا اختبار من الله عز وجل، أم الله لا يريد لي الحياة التي أتمناها؟ فهل يجب أن أستسلم وأقبل بما لا أريده؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

1- تشترطين شروطًا في الخاطب قد يصعب توفرها أحيانًا.

2- يبدو أنكِ تنظرين للأمور بمثالية زائدة.

3- أهلكِ يريدون زواجكِ من جنسية بلدكِ؛ خوفًا عليكِ من المشاكل المحتملة، وأنتِ ترفضين ذلك بحجة ضرورة معرفتكِ للخاطب.

4- الآن تقدم إليكِ رجل من عائلتكم، وأمكِ موافقة عليه، وأنتِ رافضة بسبب تخوفاتكِ ومثالياتكِ.

5- أمكِ تخاف عليكِ من تفويت فرص ذهبية قد لا تتكرر، فتبقين بدون زوج.

6- تدعين الله سبحانه أن يرزقكِ زوجًا بمواصفات معينة، ثم يأتي الخُطَّاب على عكس هذه المواصفات.

7- تسألين: هل ما يحصل لكِ اختبار من الله سبحانه، أم أن الله سبحانه يريد لكِ حياة غير التي تتمنينها؟

8- تسألين: هل يجب عليكِ أن تستسلمي وأن تقبلي ما لا تريدين؟

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: واضح جدًّا أن المثالية الزائدة عندكِ في مواصفات الزوج المستقبلي أتعبتكِ كثيرًا، والحل في التخلص الجاد منها؛ بالعلم اليقيني أنه لا يوجد رجل كامل المواصفات، واليقين الجازم بأن الخير ما يختاره الله سبحانه لا ما تختارينه أنتِ؛ كما قال سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

وكما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((لاَ يَفْرَك مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة إِنْ كَرِه مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر))، أو قال: ((غَيرُه))؛ [رواه مسلم].

ثانيًا: لا بد أن تخففي من شروطكِ فتقبلي بالخاطب من بلدكِ، وتتنازلي عن بعض شروطكِ التي لا طائل من ورائها.

ثالثًا: وتخوفات أهلكِ عليكِ في الزواج من غير أهل بلدكِ لها نصيب من الصحة؛ فقدِّري محبتهم وشفقتهم عليك.

رابعًا: بدلًا من التعنُّتات غير المُجدية، فوِّضي أمركِ لله سبحانه بالاستخارة والدعاء، بعيدًا عن الهوى وميل النفس.

خامسًا: قولكِ: إنكِ تدعين الله عز وجل بزوج ذي مواصفات معينة، وكل الذين يتقدمون إليكِ عكس هذه المواصفات، أقول: هذا طبيعي جدًّا لمن يُشدد، فيشدد الله عليه، فتسامحي وتذكري الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))؛ [رواه البخاري].

وهذا الحديث يطبق كذلك على الزواج.

سادسًا: أهم شرطَينِ مُعْتَبَرَينِ شرعًا في الزوج هما: الدين، والأخلاق؛ للأدلة الآتية: قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خُطب إليكم من ترضَون دينه وخُلُقه، فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))؛ [رواه الترمذي].

سابعًا: يبدو أنكِ تبالغين في الأسباب، وتعطينها أكبر من حجمها، وتعلقين التوفيق عليها، وهذا الأمر أتعبكِ كثيرًا، وفوَّت عليكِ فرصًا قيِّمة قد لا تتكرر، وعلاج ذلك بأن تقوِّي إيمانكِ بالقدر، وأن الموفِّق هو الله سبحانه لا الأسباب، مهما بلغت من القوة؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

فالتوكل على الله عندكِ ضعيف جدًّا، فلا بد من العمل على تقويته بالإكثار من الدعاء، وتلاوة القرآن، وطلب العلم النافع.

وتأملي كيف بدأ الله الآية السابقة بالحث على التقوى، وأنها سبب عظيم لتيسير الأمر، وبسط الرزق، ثم ختم الله عز وجل الآية بالحث على التوكل عليه سبحانه، وأنه يكفي من توكل عليه بصدقٍ كلَّ ما أهمه.

وأخيرًا خُتمت الآية ببيان أهمية الإيمان بالقدر؛ لأنه يعصم من التعلق بالأسباب، ومن توكل القلب عليها.

ثامنًا: ذكرتِ أنكِ حزينة لأنكِ لا تدرين هل ما يحصل لكِ اختبار، أم أن الله لا يريد لكِ الحياة التي تتمنينها؟

فأقول: ارجعي لكلامي السابق، وقوي إيمانكِ بالقدر، وأن الخير ما يختاره الله سبحانه لا ما تختارينه أنتِ، واضربي بمثالياتكِ عرض الحائط، وسددي وقاربي؛ وتذكري الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))؛ [متفقٌ عليه].

تاسعًا: بعض كلماتكِ قد يُفهم منها سوء الأدب مع الله سبحانه، فانتبهي لنفسكِ، وأحسني الظن بالله عز وجل، وبدلًا من هذه الألفاظ حاسبي نفسكِ، وصححي من أخطائكِ ومثالياتكِ التي أهلكتكِ حزنًا وهمًّا، وعدم زواج، ثم بعد ذلك تُسيئين الظن بالله سبحانه؟ ما هذا؟

عاشرًا: أنصحكِ نصيحة أبوية إذا تقدَّم إليكِ رجل كفء، فلا تشددي في الشروط، غير شرط الدين والخُلُق، واستخيري الله عز وجل، ثم اعزمي وتوكلي.

حادي عشر: معذرة قد أكون قسوت عليكِ بعض الشيء، ولكن مقامي الآن معكِ مقام الأب الرحيم يشُدُّ على أولاده أحيانًا؛ شفقة عليهم من أسباب الهَلَكَةِ.

حفظكِ الله، ورزقكِ زوجًا صالحًا تقر به عينكِ.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.