♦ الملخص:
طالب يحاول أن ينكر المنكرَ ويأمر بالمعروف في محيطه الدراسي، لكن الطلاب استضعفوه؛ ما جعله دائم التفكير في نظرتهم تلك له، وضعف إنكاره عليهم، وفقَد سعادته، ويسأل: ما الرأي؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
في الإجازة الصيفية بدأت أطوِّر من نفسي، ومن شخصيتي، وآمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، بعد فترة صعبة فقدت ثقتي في نفسي بالكامل، بعد الإجازة رجعت للسعودية، وانتقلت لمدرسة جديدة، وهذه المدرسة إدارتها غير مهتمة اهتمامًا كاملًا بالطلاب، ولا تعاقب المخطئ، والمدرسون لا يصلحون أن يكونوا قدوة، ولا يستطيعون السيطرة على الفصل، تنتشر بين الطلاب معاصٍ كثيرة؛ من سبٍّ وشتم، وغيبة ونميمة، وعدم احترام للمعلمين، كنت أنكر عليهم كثرة مزاحهم أو كلامهم البذيء، ولكن يومًا بعد يوم بدأت فكرة الإنكار تخفتُ من عقلي، وبدأت أنشغل بصورتي أمامهم، وأصبحت قلقًا في الفصل، ووقعت مواقف محرجة لي بسبب هذا القلق أعطت انطباعًا سيئًا عني بأنني خجول وذو شخصية ضعيفة، ومن ثَمَّ بدأت أشعر بتأنيب الضمير؛ لخوفي من الناس وعدم إنكاري، وانشغلت بهم وبنظرتهم عن التفكير في معالي الأمور، وضعف إيماني، وضعفت غيرتي على محارم الله، وفقدت سعادتي، وذكر لي الطبيب أن حالتي حالة رهاب اجتماعي وقلق عام، وقد يكون تشخيصه صحيحًا، لكني في حاجة إلى توجيه ديني للتعامل مع الأمر، وهل لو كنت أظهرت نفسي بشكل معين (صايع)، لَمَا كنت في حاجة لمثل هذا التفكير؟ وهل لو أنكرت عليهم فسوف أرتاح؟ ولو لم أجد فصلًا ملتزمًا، فهل أنقل من المدرسة؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمن الناحية الطبية شخَّصها لك الطبيب، وقد يكون تشخيصه صحيحًا أو غير صحيح، والذي ظهر لي من سطور رسالتك أنك في كامل قواك العقلية، ولست مريضًا أبدًا، وما دمت طلبت نصائح دينية، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو أنك شاب مستقيم وغيور ومتحمس جدًّا للخير، وهذه صفات طيبة جدًّا تشكر عليها، ولكن لا بد من ضوابط لها:
ومن هذه الضوابط العمل بقوله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
ثانيًا: يبدو أنك واجهت شبابًا بعضهم منفلتون جدًّا من بعض الضوابط الشرعية، ومُستَخفون بها؛ ولذلك استخفوا بك واستهزؤوا بك؛ لأنهم يعتبرون من ينكر عليهم معقدًا ومفسدًا للذاتهم.
رابعًا: مما يهون عليك ما حصل لك هو تذكر قوله سبحانه: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].
خامسًا: ولعلك بسبب حماستك أنكرت عليهم بشدة، فقابلوك بغلظة واستهزاء.
سادسًا: اعمل دائمًا بقوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
سابعًا: لعل من المستحسن الآن ما دمت قمت بما يجب عليك، ولم يستجيبوا - أن تتركهم، وأن تُعرض عن سخرياتهم، وأن تتفرغ تمامًا لطلب العلم النافع وللأعمال الصالحة التي تقربك من الله، وتقوي إيمانك وصبرك.
ثامنًا: إن تيسَّر لك الانتقال إلى مدرسة أخرى، فلعل في ذلك خيرًا، ولكن استفد من تجاربك السابقة.
تاسعًا: أنت في سنٍّ غضة طرية، تحتاج لجلساء صالحين، يذكرونك ويعينونك على الطاعة، ويشدون من أزرك ويثبتونك، فلذلك لعلك تلتمسهم وستجدهم إن شاء الله في حلقات القرآن.
عاشرًا: ما دمت بهذه المحبة للخير، فمن الخير لك أن تلتحق بأحد دروس العلماء المقامة في المساجد لتستفيد منها علمًا وتربية وثباتًا بمشيئة الله تعالى.
حادي عشر: حاول قدر استطاعتك أن تنسى سخريات زملائك منك، متذكرًا أن أشرف الخلق الأنبياء، تعرضوا للسخرية وللاتهامات الباطلة، وما زادهم ذلك إلا إصرارًا وثباتًا؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [سبأ: 34].
﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].
ثاني عشر: لعل ما أصابك نتيجة صدمة وإحباط وليس مرضًا نفسيًّا، كما تبادر لك، لذا لعلَّ في تذكُّرك ما حصل للأنبياء من أقوامهم، وما حصل من ثباتهم يكون دافعًا لك للثبات والاستمرار على الخير، مع الاستفادة من الأخطاء السابقة.
ثالث عشر: ليس فيما سبق تقليلٌ من شأن ما قمت به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قمت بواجب عظيم تشكر عليه كثيرًا، وقد أوجبه الله سبحانه في مثل قوله عز وجل: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقوله عز وجل: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وأكَّده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ [رواه مسلم]، ولكن ما سبق من توجيهات هي توجيه لك للأخذ بالحكمة، وعدم الإصابة باليأس أو الإحباط.
حفِظك الله، ورزقك الثبات والعلم النافع، وزادك الله حرصًا وتقًى.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.