حقق حزب رئيس الوزراء اليوناني المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس فوزاً ساحقاً في الانتخابات العامة يوم الأحد الماضي، ولكنه فشل في تحقيق الأغلبية المطلوبة لقيادة حكومة الحزب الواحد، الأمر الذي مهّد الطريق لعقد انتخابات جديدة في غضون أسابيع بعد استبعاد ميتسوتاكيس فكرة تشكيل ائتلاف حاكم.
ووصف ميتسوتاكيس نتيجة الانتخابات بأنها تمثل «زلزالاً سياسياً»، قائلاً إن أي مفاوضات مع شركاء التحالف المحتملين المنقسمين لن تؤدي إلا إلى طريق مسدودة.
وبعد فرز 93.7 في المائة من الأصوات ليلة الأحد الماضي، وتقدم حزبه «الديمقراطية الجديدة» على الحزب المعارض «سيريزا» بنسبة 20 في المائة، استقبل ميتسوتاكيس حشداً من المؤيدين المبتهجين خارج مكتب الحزب في أثينا. وقال رئيس الوزراء: «لقد حافظنا على بقاء البلاد في وضع مستقيم، وأرسينا الأسس لوضع أفضل للأمة، وسنخوض المعركة التالية معاً حتى يتم تحقيق ما قررناه بالفعل في الانتخابات القادمة، وهو أن يحكم حزب (الديمقراطية الجديدة) منفرداً».
وأظهرت النتائج أن حزب «الديمقراطية الجديدة» حصل على 40.8 في المائة من الأصوات، بعد أن دعا اليونانيين إلى اختيار الاستقرار الاقتصادي والسياسي على «الفوضى» في حملة انتخابية شديدة التوتر، وجاء حزب «سيريزا» من يسار الوسط، بقيادة رئيس الوزراء السابق أليكسيس تسيبراس، والذي اقتربت اليونان في عهده من مغادرة منطقة اليورو في عام 2015، في المرتبة الثانية بحصوله على نسبة 20.7 في المائة من الأصوات، فيما احتل حزب «باسوك - كينال» الاشتراكي المرتبة الثالثة بنسبة 11.6 في المائة.
وقال تسيبراس، في بيان أصدره، إنه اتصل لتهنئة رئيس الوزراء اليوناني بالفوز، مشيراً إلى أن حزبه سيجتمع لمناقشة النتيجة بالنظر إلى أن جولة الانتخابات الثانية باتت مؤكدة.
وبعد أن تم الإعلان عن النتيجة النهائية أمس الاثنين، حصل الحزب الحاكم الذي جاء في المرتبة الأولى على تفويض لمحاولة تشكيل الحكومة، ولكن رئيس الوزراء أعلن استبعاد هذا الخيار، ما يؤدي إلى عقد انتخابات جديدة، ربما في يونيو (حزيران) أو أوائل يوليو (تموز) المقبلين.
وأظهرت النتائج أن حزب «الديمقراطية الجديدة» حصل على 145 مقعداً في البرلمان المؤلَف من 300 مقعد، فيما حصل «سيريزا» على 72 مقعداً، وقد أثار أداء الأخير الضعيف التكهنات في وسائل الإعلام اليونانية حول مستقبل حزب يسار الوسط.
وقال سيرافيم سيفريادس، وهو أستاذ السياسة والتاريخ في جامعة «بانتيون» في أثينا إن «النتيجة تعكس الانهيار التام لاستراتيجية (سيريزا)، وانحرافه الدائم نحو اليمين، فضلاً عن وضع اليسار الذي أدى إلى تعميق الارتباك والشعور بالإحباط».
وهناك 3 عوامل أدت إلى زيادة الغموض الذي اكتنف انتخابات الأحد، أولها أن 1 من كل 10 ناخبين لم يحسموا قرارهم قبل الانتخابات، وثانيها أن ما يقرب من 440 ألف شاب كانوا مؤهلين للتصويت للمرة الأولى، وأخيراً أن 3 في المائة من الناخبين أيدوا حزباً أسسه المتحدث باسم حزب «الفجر الذهبي» للنازيين الجدد، والذي تم منعه من الترشح بسبب سجنه.
وكان من المتوقع عدم وجود فائز صريح في هذه الانتخابات، حيث أجريت العملية في ظل نظام التمثيل النسبي، والذي يجعل من الصعب على حزب واحد تولي السلطة، ولكن إجراء أي انتخابات جديدة سيتم بموجب نظام مختلف، والذي يمنح مقاعد إضافية للحزب الفائز، ما يوفر فرصة أفضل لـ«الديمقراطية الجديدة» من أجل تشكيل حكومة مستقلة.
وفي خطاب حملته في أثينا، ليلة يوم الجمعة الماضي، أشار ميتسوتاكيس إلى نجاح حكومته في زيادة معدل النمو الاقتصادي (والذي بات الآن ضعف متوسط مثيله في منطقة اليورو)، وجذب الاستثمارات وتعزيز دفاعات البلاد وسط فترة صعبة مع تركيا المجاورة.
وقال رئيس الوزراء اليوناني: «هذا ليس الوقت المناسب لخوض التجارب التي لا تقود إلى أي مكان»، مضيفاً أن «تحقيق تصنيف عالٍ للاستثمار، والذي سيسمح لليونان بتخفيض تكاليف الاقتراض، يتطلب وجود حكومة مستقرة».
ولم يعرب ميتسوتاكيس عن أسفه عن موقف اليونان المتشدد بشأن الهجرة، والذي تضمن تشديد الرقابة على الحدود، وأدى إلى انخفاض بنسبة 90 في المائة في عدد المهاجرين الوافدين منذ عام 2015، فبينما تعرضت حكومته لانتقادات من جماعات حقوق الإنسان لدفعها المهاجرين نحو البحر بشكل غير قانوني وإنشائها معسكرات في ظروف تشبه السجون، فقد رحّب العديد من اليونانيين بتراجع تدفق اللاجئين، حيث استحوذ المهاجرون على موارد اليونان في ذروة أزمة الهجرة في أوروبا. وأعلن ميتسوتاكيس، يوم الجمعة، أمام حشد من المؤيدين وهم يلوحون بالأعلام اليونانية: «اليونان لديها حدود، وتجب حراسة تلك الحدود».
من جانبه، دعا تسيبراس (زعيم حزب سيريزا اليساري) إلى التغيير في الحملة الانتخابية للحزب، وسلّط الضوء على إساءة استخدام السلطة من قبل الإدارة الحالية، بما في ذلك فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية، كما أشار إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والتي تظهر استطلاعات الرأي أنها بمثابة مصدر قلق كبير للناخبين.
وقبل الإدلاء بصوته يوم الأحد، دعا تسيبراس اليونانيين إلى «التخلي عن هذه الحكومة المتعجرفة التي لا تشعر باحتياجات الكثيرين».
وقد كانت رسالة تسيبراس مُقنعة لإليسافيت ديمو، (17 عاماً)، التي صوتت للمرة الأولى يوم الأحد في إحدى المدارس الواقعة وسط أثينا، حيث قالت إنها تأثرت بوعود «سيريزا» بـ «التغيير» و«العدالة».
وأضافت «صحيح أن (سيريزا) ارتكب أخطاءً أيضاً، لكنهم لم يتجسسوا على نصف سكان البلاد»، في إشارة إلى التقارير التي تفيد بأن فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية تضمنت العشرات من السياسيين والصحافيين ورجال الأعمال.
كما كان هناك عامل آخر في اختيار ديمو لـ«سيريزا» في الانتخابات وهو حادث القطار المميت الذي وقع في وسط اليونان في فبراير (شباط) الماضي والذي أودى بحياة 57 شخصاً، من بينهم العديد من الطلاب، قائلة: «كانت أمامهم حياة طويلة ليعيشوها، ولكنهم ماتوا لأن هؤلاء الموجودين في السلطة لم يهتموا بإصلاح القطارات بشكل كافٍ».
وقد أدى الغضب العام من حادث القطار هذا إلى التأثير في تقدم حزب «الديمقراطية الجديدة» في استطلاعات الرأي لفترة وجيزة، ولكن أهميته تراجعت بعدما شعر مؤيدو الحزب بالاطمئنان على ما يبدو بسبب وعوده باستمرار الاستقرار والازدهار.
ويقول أحد مؤيدي الحزب اليوناني الحاكم، ويدعى ساكيس فرانتاكيس، وهو صاحب صالون لتصفيف الشعر يبلغ من العمر 54 عاماً: «صحيح أنهم بعيدون عن الكمال، لكنهم يمثلون الخيار الوحيد الآمن، فقد مضينا قدماً بالفعل، إذن لماذا قد نعود للوراء إلى حالة عدم اليقين من جديد؟».
وأكد ميتسوتاكيس أن حكومة الحزب الواحد ستكون أفضل من عقد صفقة ائتلافية، وذلك من أجل ضمان الاستقرار وطمأنة المستثمرين، بعدما استقر النمو الاقتصادي في البلاد بعد أزمة مالية استمرت لمدة عشر سنوات وانتهت في عام 2018.
ولدى رئيس الوزراء اليوناني القليل من الخيارات لإيجاد شركاء، حيث يُنظر إلى حزب «باسوك - كينال» الاشتراكي باعتباره المرشح الواقعي الوحيد للتحالف مع «الديمقراطية الجديدة»، ولكن اعتراف ميتسوتاكيس العام الماضي بأن أجهزة الاستخبارات اليونانية قد تجسست على زعيم الحزب، نيكوس أندرولاكيس، تسبب في توتر العلاقات بين الرجلين وألقى بظلاله على أي احتمالات للتعاون بين الحزبين.
وهناك احتمال آخر يتمثل في حكومة يقودها اليساريون، حيث ظل «سيريزا» يغازل «باسوك - كينال» من أجل تشكيل تحالف من المرجح أن يتطلب وجود حزب ثالث، والذي من الممكن أن يكون حزب «ميرا 25» الذي يقوده يانيس فاروفاكيس، وزير المال السابق في حكومة تسيبراس.
ولكن أندرولاكيس (زعيم باسوك - كينال) لم يكشف عن نياته بوضوح، إذ أعلن أن كلا الحزبين (الديمقراطية الجديدة، وسيريزا) غير موثوقين، وأنه يجب ألا يقود ميتسوتاكيس أو تسيبراس أي حكومة ائتلافية في البلاد، ولكنه اتصل برئيس الوزراء في وقت متأخر من يوم الأحد لتهنئته بفوز حزبه.
* خدمة «نيويورك تايمز»