زرعة دماغية قد تمنح مرضى التصلّب الجانبي الضموري حياة أفضل وأطول.. ما قصة مارك؟

منذ 8 أشهر 112

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يحدّق مارك في شاشة الكمبيوتر، ويركّز. يرتعش إصبع السبابة الأيمن بشكل طفيف فوق الوسادة، ثم يرن تنبيه من الشاشة أمامه هو بمثابة رسالة إلى مقدّم الرعاية بأنّه يحتاج إلى المساعدة.

من دون النقر على فأرة الحاسوب أو لمس الشاشة، اختار مارك هذا الأمر على جهاز الكمبيوتر الخاص به ببساطة، وذلك بواسطة إشارات من دماغه. مارك، الذي وافقت CNN على التعريف عنه باسمه الأول فقط لأسباب تتعلّق بالخصوصية، لديه زرعة داخل دماغه تُترجم نشاطه العصبي إلى أوامر على جهاز كمبيوتر.

ومارك هو الشخص العاشر في العالم الذي خضع لعملية زرع واجهة دماغية حاسوبية (BCI). إنه يشارك في تجربة بشرية تقوم بها شركة Synchron، وخضع لهذا الإجراء في أغسطس/ آب، بعد تشخيص إصابته بالتصلب الجانبي الضموري، المعروف بـALS، أو مرض Lou Gehrig، في عام 2021.

الأمل هو بأن تساعد التكنولوجيا الموجودة في الدماغ مارك وآخرين مثله يفقدون وظائفهم الحركية جراء هذا المرض. وقال مارك لـCNN: "إنها فرصة لقطعة من التكنولوجيا على مساعدة شخص لن يتمكن من مساعدة نفسه بطريقة أخرى".

وقد زادت إمكانات تقنية BCI الحماسة خلال العام الماضي، مدفوعة جزئيًا بالدعم رفيع المستوى من الملياردير إيلون ماسك عبر شركته Neuralink، بالتوازي مع نشر العديد من الدراسات الواعدة من أطراف آخرين في هذا المجال المتنامي، في الآونة الأخيرة.

لكن هذه التكنولوجيا بعيدة عن الاتجاه السائد، ولا تزال الجهود المبذولة لتسويقها محفوفة بالعقبات التنظيمية، والأخلاقيات، والمخاوف المتعلّقة بالخصوصية. وتواجه التكنولوجيا الناشئة نفسها العديد من القيود. بمعنى آخر، لن تصل هذه الإجراءات إلى عيادة طبيبك المحلي في أي وقت قريب.

ومع ذلك، يقول مارك إنّ فرصة أن يكون في طليعة اختبار هذه التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد الآخرين أمر مهم بالنسبة له. ومع انتفاء وجود علاج لمرض التصلب الجانبي الضموري، كان بديهيًا بالنسبة لمارك، المشاركة في التجربة.

وأوضح مارك: "كنت أمام خيارين: إمّا الاستسلام لمشاعر الشفقة على الذات، أو التمكّن من استعادة نفسي وبذل قصارى جهدي كي أساعد نفسي".

إنشاء قاموس العقل 

التصلب الجانبي الضموري لكل مريض مرحلة لتعزيز مفردات حاسوبه كي يتجاوب مع ما يفكّر القيام به.

كان مارك يجلس مسترخيًا، مرتديًا سترة خفيفة باللون الأزرق المخضر، ولا تبدو عليه أي مؤشرات جسدية واضحة على أنه مصاب بالتصلب الجانبي الضموري. وقال لـCNN إنه لا يلاحظ ذلك أيضًا.

وقال لكبير المراسلين الطبيين لدى CNN، الدكتور سانجاي غوبتا، في مقابلة معه: "ليس لدي أدنى إحساس بأن ثمة شيء ما في دماغي". 

لدى مارك ندبتان صغيرتان، واحدة على صدره الأيمن والأخرى على رقبته، لكن لا مؤشرات مرئية أخرى تشي بوجود واجهة دماغية حاسوبية (BCI) في دماغه.

زرعة الدماغ من شركة Synchron التي يملكها مارك، أطلق عليها اسم Stentrode وتتكون من دعامة مزودة بأجهزة استشعار قطب كهربائي يمكنها اكتشاف نشاط الدماغ الكهربائي. 

حصلت شركة Synchron على براءة اختراع لـStentrode، وكانت الشركة الأولى التي تسعى للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لبدء التجارب البشرية على أجهزة BCI القابلة للزرع بشكل دائم.

وإسوة بالدعامة العادية، فهي لا تتطلّب جراحة مفتوحة للدماغ. عوض ذلك، تملك القدرة على التوغل عبر شبكة الأوردة الطبيعية في الجسم، لذا كانت نقطة الدخول هي الوريد الوداجي لمارك. قام بجراحه إدخال الجهاز عبر الأوعية الدموية وصولاً إلى الجزء العلوي من دماغه، حيث يقع في الجيب السهمي، وهو أحد الأوردة الرئيسية في الدماغ، والموجود في القشرة الحركية، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن الحركة.

سواء كان ذلك مصافحة أو القيام بخطوة، فإنّ كلّ إجراء يقوم به الشخص يرتبط بتوقيع كهربائي محدد من موجات دماغه. يتعلّم جهاز Stentrode كيفية التعرّف على تلك الأنماط الكهربائية وينشئ قاموسًا مخصصًا للحركة.

قد يكون هناك توقيع كهربائي عام لحركات مختلفة، لكن ثمة تفاوت قليل بين شخص وآخر، ما يجعل الجهاز مخصّصًا للغاية.

عندما يفكر مارك بالقيام بحركة معينة، مثل النقر في مكان ما على شاشة الكمبيوتر، يقرأ جهاز Stentrode إشارة الدماغ تلك ويتعرف على الحركة المقصودة. ثم تنتقل تلك الرسالة عبر كابل رفيع جدًا إلى جهاز إرسال داخلي، يشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، تم زرعه جراحيًا في صدره.

تنتقل الكثير من البيانات من دماغ مارك إلى جهاز الإرسال بحيث يجب توصيلها بالكمبيوتر. يقع جهاز الإرسال الخارجي مباشرة فوق جهاز الإرسال الداخلي ويحمل الإشارة من دماغ مارك إلى الكمبيوتر بشكل فوري تقريبًا. راهنًا، يجب توصيل مارك بالكمبيوتر حتى يتمكّن من استخدام الجهاز.

غير أنّ الهدف أن تحتوي أجهزة الجيل التالي في نهاية المطاف على عملية لاسلكية، لذلك سيحتاج المريض فقط إلى Stentrode وجهاز الإرسال داخل الصدر.

التأقلم مع تشخيص مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)

التصلب الجانبي الضموري الهدف الطموح يقضي بأن تتمتع أجهزة الجيل التالي من زرعة واجهة دماغية حاسوبية بعملية لاسلكية بالكامل.

لاحظ مارك لأول مرة أن شيئًا ما لم يكن صحيحًا تمامًا في عام 2020. لم يتمكن من فرقعة أصابعه أو القيام بحركة القرص بيده اليسرى؛ كما لاحظ  ضمور بعض العضلات الواضح. يتذكر بالقول: "ثم أسقطت فنجانًا من القهوة".

في عمر 63 عامًا، شُخّص مارك رسميًا بأنّه مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض يتوقّع أن يعيش معه معظم الأشخاص لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات فقط، بعد ظهور الأعراض.

ويعترف بالقول: "لقد كانت حبة دواء صعبة البلع. ما زلت أعتبر نفسي شابًا". 

كان لديه وظيفة يحبها وكان على وشك التقاعد قريبا. ولديه أيضًا عائلة مكونة من ابنتين وحفيدة واحدة.

رغم التشخيص والضعف في ذراعه، واصل مارك عمله في شركة لبيع الزهور بالجملة. لكن سرعان ما أصبح رفع دلاء الماء وصناديق الزهور أمرًا صعبًا للغاية. ثم أصبحت القيادة صعبة. بحلول ديسمبر/ أيلول 2022، توقف عن القيادة تمامًا.

تداعيات المرض 

وكان من تداعيات مرض التصلب الجانبي الضموري أثر عاطفي أيضًا، ذلك أنّ مارك بدأ يفقد استقلاليته. وقال: "عشت وحدي لمدة 13 عامًا، لذلك اعتدت أن أفعل كل شيء بنفسي".

انتقل في نهاية المطاف للعيش مع أخيه وعائلته. واليوم، أصبح صوته قويًا، ولا يزال قادرًا على المشي، لكنه يقول إنه يضطر إلى استخدام جهاز تغذية يتم التحكم فيه بقدمه لتناول الطعام بسبب فقدان القوة في ذراعيه.

لا يزال مارك قادرًا على القيام ببعض الحركات المحدودة للغاية بيديه، لكنه فقد معظم البراعة بأصابعه، ما يعني أنه لا يستطيع التقاط قلم رصاص، أو تمرير إصبعه على هاتفه. يأمل مارك أن تساعده زرعة BCI في مهام مثل الوصول إلى هاتفه.

لكن مارك لم يفقد الأمل بأن لا يزال قادرًا على إيجاد طريقة لمساعدة الآخرين. لقد تسجّل في تجربة دوائية، وعندما انتهت تلك التجربة، سأل طبيبه على الفور عما يمكنه اختباره أيضًا يكون "جديدًا ومثيرًا".

حينها وجد نفسه في تجربة الجدوى هذه مع Synchron وBCI.

بعدما تم زرع جهازه في أغسطس/ آب، لم يقدر على استخدام واجهة التواصل الإلكترونية الخاصة به فورًا، الأمر الذي أحبطه. استغرق تعافيه حوالي شهرين، ضمنًا انتظار زوال التورم الناتج عن الجهاز الذي يشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، قبل أن يتمكن فريق Synchron من تشغيل الزرعة. لكنه يتذكر المرة الأولى التي نجح فيها.

وقال مارك إن عملية تدريب الجهاز تتطلّب الصبر، لكنه متحمس لمساعدة أطبائه وفريق Synchron على التعلم معه.

وأضاف: "في بعض الأحيان لا تسير الأمور كما نريد. جزء من مشاركتنا في الدراسة أننا هنا للتعلم، ونحن هنا لتعزيز التكنولوجيا".

صعود وسباق تكنولوجيا BCI

رغم أنها لا تزال بعيدة عن الاتجاه السائد، إلا أن إمكانات تكنولوجيا BCI حفزت ظهور عدد قليل من الشركات التي تتسابق لتطوير هذه التكنولوجيا الصحية المستقبلية.

وأظهرت دراستان منفصلتان نشرتا في مجلة Nature في أغسطس/ آب، كيف أن زراعة الدماغ باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مكنت المرضى المصابين بالشلل من التواصل عبر ترجمة الإشارات العصبية إلى نص أو كلام عبر الصورة الرمزية، بسرعة لم يحققها هذا النوع من التكنولوجيا من قبل.

الأمل في المستقبل وفرصة لحياة كاملة

 حاليًا، لم يتمكن مارك بعد من القيام بأمور كثيرة بمفرده. يستطيع المشي، والتحدث، ويحتفظ ببعض الحركة في أطرافه. لكن في السنوات القليلة التي تلت تشخيصه بمرض التصلّب الجانبي الضموري، يقول مارك، إنه لاحظ بالفعل فقدانًا في البراعة. 

تمنح تقنية BCI مارك الأمل بأن يتمكن من إحداث فرق للآخرين في المستقبل، وفرصة لمواصلة عيش حياة كاملة مستقلة الآن.