روسيا وصدع خطوط الناخب الأميركي

منذ 6 أشهر 182

على هامش «منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي»، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاوف وهواجس لدى الأميركيين، من إمكانية ملامسة أعمال الاستخبارات الروسية، خطوط الصدع الأميركية المأزومة، وبنوع خاص لجهة التصويت المرتقب في الانتخابات الرئاسية القادمة.

هل حقاً روسيا غير مهتمة بنتيجة هذه الانتخابات كما صرح بوتين؟

حكماً، هي غارقة حتى أذنيها في الترقب، وربما دفع مسار الانتخابات، في دروب تتساوق ومصالح روسيا الإستراتيجية.

المصلحة الرئيسية لبوتين، لا تتعلق بالفعل كما قال باختيار بايدن أو ترمب للرئاسة، فالرجل يعرف أبعاد الدولة الأميركية العميقة الحاكمة.

يحمل القيصر بين حنايا أضلعه ثأراً قديماً من زمن الاتحاد السوفياتي، خطيئة القرن العشرين الكبرى، حسب كلامه، ومواجهة حديثة قائمة وقادمة في أوكرانيا، اشتد أوارها بعد موافقة بايدن على استخدام أسلحة متقدمة في مهاجمة روسيا.

يعرف القيصر، رجل الاستخبارات الروسية القديمة، كيف يتلاعب بالبيادق على خريطة الشطرنج الدولية، ويبدو أنه ماضٍ قدماً في طريق دفع الولايات المتحدة ناحية الصراع الداخلي، ومن غير أن يكلف نفسه إطلاق رصاصة واحدة.

بوتين وجّه ضربة قوية جديدة للنظام القضائي الأميركي، من خلال تأكيده على أن الديمقراطيين استخدموا القضاء في صراع سياسي داخلي، وأن الناس في الولايات المتحدة باتوا لا يثقون في محاكمهم وقضاتهم بعد أن أضحت قراراتهم مسيسة.

في يقين سيد الكرملين، وما باحت به مكنونات صدره، أن الأميركيين يحرقون دولتهم من الداخل، عبر المعركة الانتخابية الجارية، ولم يعد لإدارة بايدن من هدف سوى تعزيز فكرة السيطرة على العالم، بزعم القيادة الليبرالية.

هل يمكن اعتبار هذه التصريحات في حد ذاتها تدخلاً رسمياً في السياسة الداخلية الأميركية؟

بوتين يزعم بأن لا مصلحة له في فوز ترمب؛ فهذا الأخير استهل ولايته اليتيمة بفرض عقوبات ضخمة على روسيا، كما انسحب من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. وغالب الظن هو صادق؛ ولهذا فإن هدفه أبعد من العمل على إنجاح ترمب أو إخفاق بايدن، وإن كان له معركة كبرى مع الأخير بوصفه أكبر مورّد منفرد للمعدات العسكرية إلى أوكرانيا.

الهدف الأكثر خطورة من هذه التصريحات، تسريب فيروس الشقاق والفراق، وتعميق حالة الاستقطاب المجتمعي، داخل دولة كبرى، تبدو على محياها، عوارض أزمنة نهاية الإمبراطوريات، وإرهاصات الحرب الأهلية.

بوتين، ومن جديد في حديثه الأخير، يقطع بأن محاكمة ترمب كانت بسبب مزاعم تتعلق بأحداث وقعت قبل سنوات، ويؤكد غياب الدليل المباشر على حدوثها.

ويخطر للقارئ أن يتساءل عن حال المواطن الأميركي الداعم لترمب أولاً، والمتأرجح تالياً، لدى سماعه هذه الشهادة من بوتين.

سيد الكرملين عازف ماهر على أوتار الرأي العام للأمم والشعوب، فقد تدرب على الغزل والمتناقضات في دهاليز «كي جي بي»، وشارك في حفلات العزف الاستخبارية لسنوات طويلة في عموم أوروبا الشرقية، منطلقاً من ألمانيا في جانبها الشرقي وقتذاك.

يدرك الرئيس الروسي المنتخب لولاية خامسة، أن أزمة أوكرانيا تحديداً تمس أسلاكاً عارية في الداخل الأميركي؛ ما يوفر له فرصة النفاذ إلى العمق، وصبّ الزيت على نار فتنة الانتخابات، فالديمقراطيون يدعمون بايدن في تقديم المساعدات المليارية لأوكرانيا، في حين يعارض ذلك بعض الجمهوريين البارزين، بما في ذلك ترمب والمتشددون من الحزب الجمهوري في الكونغرس.

هل لروسيا مخططات في الداخل الأميركي خلال الأشهر الخمسة المقبلة؟

هذا ما ينفيه بوتين، وتؤكده دوائر مكتب الاتحاد الفيدرالي الأميركي، والمخابرات المركزية، بل إن مستشار بايدن للأمن القومي، جاك سوليفان، ترك باباً واسعاً لقناعات بأن الروس يخططون لشيء ما قولاً وفعلاً.

يمكن لروسيا أن تنظر على الأرجح إلى البنية التحتية للانتخابات، بما في ذلك شبكات الدولة، والحكومات المحلية، باعتبارها أهدافاً مشروعة للتجسس الإلكتروني وجمع البيانات. في حين الحركة المؤثرة التالية تتعلق بوصول الهاكرز الروسي، حكوميين أو أهليين، إلى بقية شبكات الخدمات الحكومية لتقويض الثقة في نزاهة الانتخابات وتعزيز عمليات التأثير.

يعلم الأميركيون أن آليات الذكاء الاصطناعي تزيد من قدرات موسكو على الاختراق الداخلي، سواء من خلال المكالمات الهاتفية المغشوشة، أو الفيديوهات المزيفة العميقة، والقصص الإخبارية المنحولة، وحسابات الإنترنت الوهمية.

مؤخراً، أعلن مركز تحليل التهديدات التابع لشركة «مايكروسوفت» عن اكتشافه نحو سبعين جهة روسية فاعلة، متورطة في الترويج لمعلومات مضللة، ما بين حملات سرية وعلنية.

هل سينجح بوتين في زلزلة الصدع عند الأميركيين ليضحى زلزالاً مدمراً من خلال تقويض ثقة الأميركيين في نظامهم الديمقراطي المأزوم حالياً من جراء محاكمة ترمب؟