روسيا تسير نحو أفريقيا

منذ 1 سنة 168

خلال زيارتي مؤخراً لقمة «روسيا - أفريقيا» في نسختها الثانية في سانت بطرسبورغ، دهشت بالحجم الذي عُقد به هذا الحدث، والذي عكس تماماً الزيادة المطردة لثقل الدول الأفريقية في السياسة والاقتصاد العالميين، وكذلك تعزيز كيانها كعنصر فعال. فمن خلال مشاركة انطباعاتي في هذا المقال، أود الإشارة إلى أن بعض زملائي قد رأوا في هذا الحدث علامات لما يُزعم أنه «سباق من أجل أفريقيا» بدأ في المجتمع الدولي، وهو ما لا أتفق معهم عليه، لأنه وفقاً لمثل هذه الصيغة، يعني أن القارة لا تزال تبدو كجهة مُؤثر بها، وليست كياناً فعّالاً.

نعم... القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية، وهذه الميزة باتت في وقتنا الحالي الصعب بالغة الأهمية.

لدى روسيا كثير من المنافسين في أفريقيا، يكفي ذكر الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا. الخبير الروسي أليكسي ماسلوف يكتب قائلاً: نظراً لأن حجم التجارة الصينية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء أكبر 15 مرة من حجم التجارة الروسية «280 مليار دولار مقابل 18 مليار دولار»، فلن تتمكن موسكو من تجاوز بكين. في الوقت نفسه، الصين ليست أكبر مستثمر هنا، بل على الأغلب تستخدم العمالة الأفريقية والموارد المحلية، ولا نتحدث هنا عن مشاريع محددة ومبعثرة، فهي منسوجة بشكل أساسي في استراتيجية واحدة تسمى «الحزام والطريق»، مرتبطة بخطط التنمية في الصين نفسها. يمكن الاتفاق مع هذا الرأي، لا سيما بالنظر إلى أن بكين تدرب بنشاط المتخصصين الأفارقة، بما في ذلك في مجال الهندسة. على الأحوال كافة، أنا شخصياً على دراية بالمنشآت التي يتم بناؤها بمساعدة صينية في أفريقيا، حيث يتم استخدام العمالة الصينية أيضاً. لكن يبقى السؤال الوحيد: هل يضع الكرملين أمامه مهمة تجاوز أحد ما في أفريقيا، والأكثر من ذلك الشريك الصديق والقوي مالياً واقتصادياً مثل الصين؟ يبدو لي أن روسيا ستحتل فقط المكانة المتوفرة في هذه القارة. فهناك مساحة كافية للجميع، وإلى جانب ذلك، فإن نماذج التعاون لدى البلدين، كما هو معلوم، مختلفة. غير أنه سيتحتم على روسيا بذل جهود كبيرة لزيادة حجم التجارة مع دول أفريقيا جنوب الصحراء.

أما فيما يتعلق بالشركاء الغربيين من الدول غير الصديقة، فهناك منافسة وستبقى قائمة، بالنظر إلى أن الدول الغربية تمارس جميع أنواع الضغط الممكنة على الشركاء الأفارقة لحملهم على التخلي عن أي علاقات مع موسكو، وبالتالي، عن المشاريع التي تدعمها روسيا. هذا، على سبيل المثال، يمكن أن ينطبق على مجالات تُعد المنافسة فيها شديدة للغاية مثل مجال الطاقة النووية. في روسيا، وليس من دون سبب، يعتقدون أن مرارة قرون من الاضطهاد الاستعماري لا تزال موجودة في علاقة الدول الأفريقية مع أوروبا، ومرارة قرون تجارة الرقيق في علاقتها مع الولايات المتحدة. ممثلو النخب الأفريقية لا يتوقفون عن تذكير شركائهم الغربيين بهذا، وكثير منهم، كما أظهرت القمة، يعتقدون أيضاً أنه في كثير من الأحيان لا يزال ينظر في الدول الغربية إلى مواطنيهم كأنهم أشخاص من الدرجة الثانية، وأن الدول الغربية لا تركز في تعاونها مع أفريقيا على تقديم المساعدة للأفارقة في إطار التعاون المتكافئ، وإنما تركز على استغلال وسحب الموارد الطبيعية وتحقيق أرباح كبيرة.

أما بالنسبة للصين، فقد تثار تساؤلات فيما يتعلق بما يسمى «فخاخ الديون»، والتي يتحدث عنها الخبير الروسي نفسه كجزء من النموذج الصيني للتعاون مع أفريقيا.

يتساءل إيفان تيموفييف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، عما يجب أن تقدمه روسيا لأفريقيا، حيث يتزايد اهتمام موسكو بها مع انحسار علاقاتها مع الغرب. الشيء الرئيسي هنا هو أن أزمة العلاقات مع الغرب لا تثير الاهتمام بالجنوب والشرق فحسب، بل وتحفز التحرك نحوهما. ويجيب بنفسه على سؤاله: إنها السيادة. في الوقت نفسه، تعد روسيا في «محفظة الاستثمار في السياسة الخارجية» بشكل عام نوعاً من أصول التأمين، تماماً كما يمكن للذهب والعقارات والأصول الأخرى الثابتة أن تلعب مثل هذا الدور في محفظة استثمارية عادية. الصورة مثيرة للاهتمام، لكن فيها شيء من الضبابية لجوهر المشكلة: إذ إنها في الواقع مرتبطة بدرجة الموثوقية، وثبوتية الأصول.

الصحافي الروسي الشهير فيودور لوكيانوف كان أكثر تحديداً في تعبيره في هذا السياق. فهو يحث على أن تكون روسيا نشطة للغاية، وأن تعرض على الدول غير الغربية، بما في ذلك الدول الأفريقية، مشاريع وفقاً لاحتياجات هذه الدول. فأفريقيا بحاجة إلى كل شيء: «التنمية والأمن والآفاق الاقتصادية، وفي بعض النقاط نحن متفوقون على الغرب في القدرات التكنولوجية هنا». ويؤكد الصحافي على أمر واحد مهم للغاية: «يجب ألا نركز على محاربة النفوذ الغربي، ولكن على حقيقة أن روسيا شريك مهم وثمين». جميع الإجابات عن الأسئلة المطروحة تشير إلى أن المناقشات النشطة للغاية قد بدأت في مجتمع الخبراء الروس، حول مدى استعداد روسيا لتقديم بدائل فعالة لأفريقيا عما يقدمه المنافسون.

في الوقت الحاضر، الشركاء التجاريون الرئيسيون لموسكو هم الجزائر ومصر والمغرب، وتحتل البلدان ذات الاقتصادات الكبيرة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا مكانة مهمة أيضاً. مصر، بموقعها الفريد، هي في قلب النشاط التجاري والاقتصادي لموسكو. وهي المستورد الرئيسي للقمح الروسي، وفيها قد تجري أعمال بناء محطة طاقة نووية ضخمة في بلدة الضبعة، وتم أيضاً إنشاء منطقة صناعية روسية على الضفة الشرقية لقناة السويس. فلدى مصر فرصة اليوم لتصبح بوابة لأفريقيا.

على الرغم من ضغوط الغرب، وصلت وفود من 49 من أصل 54 دولة أفريقية لحضور القمة. صحيح أن البعض منهم قرروا توخي الحذر، حيث كان هناك من بين المشاركين 17 رئيس دولة فقط، وهو عدد أقل مما كان عليه في القمة الأولى، ولكنه يبقى كبيراً بما فيه الكفاية. في الوقت نفسه، كان من الملاحظ أن بين المندوبين الأفارقة لم تكن هناك وحدة في المواقف بشأن عدد من القضايا، بما في ذلك بشأن الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، فقد تم اتخاذ خطوة كبيرة إلى الأمام من حيث عدد الاتفاقات والعقود الموقعة. سيكشف الوقت ما إذا كانت روسيا ستتمكن من ترسيخ نجاحها. فبعد ثلاث سنوات، ستُعقد قمة ثالثة جديدة.