الواضح الآن بعد التمرد المسلح الذي قام به يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة «فاغنر»، ضد وزارة الدافع الروسية والمؤسسة العسكرية هناك، ومحاولة دخول موسكو بالقوة، هو أن روسيا أصبحت ورطة لأعدائها وحلفائها على حد سواء.
ما فعله يفغيني بريغوجين، قائد ميليشيا «فاغنر»، أظهر أن الرئيس بوتين لا يقف على أرضية صلبة، من حيث الجبهة الداخلية الروسية، وإلا فكيف يقود يفغيني بريغوجين تمرداً منظماً ومخططاً له من دون علم الاستخبارات الروسية؟
وكيف استطاع قائد «فاغنر» توجيه مقاتليه للوصول إلى مسافة 120 ميلاً من العاصمة موسكو من دون مقاومة عسكرية حقيقية من القوات النظامية الروسية، وقبلها دخول مقر قيادة الجيش الروسي في روستوف.
وكيف اضطر الرئيس بوتين للاستعانة برئيس روسيا البيضاء للتوسط مع قائد «فاغنر» لإيقاف زحف قواته العسكرية نحو العاصمة لإسقاط القيادة العسكرية هناك، وبعد أن توعد بوتين نفسه بالرد القاسي؟
كيف استعان بوتين برئيس روسيا البيضاء باليوم نفسه الذي قال فيه تلفزيونياً إنه سيكون هناك «رد صارم وقاسٍ» على من «نظموا التمرد المسلح، ورفعوا السلاح ضد الرفاق في القتال وخانوا روسيا». ووصفه لما حدث بأنه «خيانة» و«غدر»؟
كل ذلك يقول لنا إن روسيا الآن ليست في ورطة، بل هي نفسها باتت ورطة لحلفائها وخصومها. اليوم يخفت صوت المطالبين بوقف الحرب في أوكرانيا، ولو من باب الوساطة، في أوروبا والولايات المتحدة، لأن ملامح الانكسار الروسي الداخلي واضحة.
اليوم سيعلو صوت المطالبين بضرورة الاستمرار في دعم القوات الأوكرانية لأن نتائج الحرب الخاطئة بدأت تتضح في الداخل الروسي، في المؤسسة العسكرية وبين النخب، وداخل صفوف الميليشيا التي صيرها الرئيس بوتين موازية للمؤسسة العسكرية.
وفي هذا درس للدول، حيث لا يمكن أن تركن الدولة، أياً كانت، إلى قوات مرتزقة أو ميليشيا من خريجي السجون للدفاع عن تلك الدولة، وبدلاً من القوات النظامية، وحتى لدولة نووية مثل روسيا.
واليوم يجد أعداء بوتين، الولايات المتحدة وأوروبا، وبالطبع الناتو، أنفسهم بورطة التعامل مع بوتين الذي اهتزت أرض القيادة من تحته خشية حدوث فوضى حقيقية في روسيا، ما قد يؤدي إلى وقوع الأسلحة النووية بأيدي عصابات، أو رجل متهور، ما يعرض العالم بأسره للخطر.
وبالنسبة إلى حلفاء موسكو بطهران ودمشق فإنهم في ورطة أيضاً، ومثلهم من يستعينون بـ«فاغنر» بالسودان وغيره، وورطتهم هي بكيفية الاعتماد على التحالف مع بوتين الذي اختفى يوم محاولة الزحف على موسكو، وبعد خطابه المتلفز، ومن يعلم أي مستقبل ينتظر روسيا بوتين!
الأكيد اليوم أن الرئيس بوتين يخوض معارك غير اعتيادية على جبهات عدة، ولا خيار سهل فيها، حيث الحرب في أوكرانيا، والحرب مع الأوربيين والأميركيين، وكذلك معركة توحيد الصف الداخلي، واستعادة صورته القوية التي تلاشت.وكل ذلك يعد ورطة لحلفاء بوتين ولأعدائه أيضا. حلفاؤه يشككون باستمرار بوتين القوي، وخصومه يخشون من بوتين الضعيف، ما قد يؤدي إلى كارثة نووية، أو عنف روسي غير محسوب العواقب بأوكرانيا.
لذلك أصبحت روسيا ورطة للجميع، وعلى حد سواء.