رواج النوم باكرا في أوساط شباب اليوم... هل هو عملي فعلا؟ 

منذ 8 أشهر 82

إنها الساعة الخامسة بعد الظهر وأنا أغادر العمل على الموعد تماماً. أستقل القطار في تمام الساعة 5.11 وأترجل منه عند الساعة 5.43، فأصل إلى باب منزلي بالتالي عند السادسة. أمارس الرياضة مباشرة لمدة نصف ساعة ثم أقضي ربع ساعة في الاستحمام. حان وقت تناول الطعام. لست ماهرة في المطبخ لذلك أستغرق ساعة لطهي وصفة تحتاج إلى 20 دقيقة. يجهز العشاء عند الثامنة مساء. أحتاج إلى ربع ساعة لكي أتناوله، وربع ساعة أخرى للتنظيف. دقت الساعة 8.45 مساء، وفي هذا الوقت أستلقي في فراشي. أنظر إلى الساعة: إنها التاسعة مساء. أغفو فوراً. 

هذا النوع من الفعالية، وهو ضرب من الفعالية العسكرية التي تقتل الروح، هو المطلوب لكي أنام عند الساعة التاسعة مساء - أي في الموعد الجديد الذي بات يفضله أبناء جيلي على ما يبدو، وفقاً لدراسة حديثة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال". عام 2022، أفاد الأفراد في العشرينيات من عمرهم بأنهم ينامون تسع ساعات و28 دقيقة بالمعدل - بزيادة ثمانية في المئة عن ثماني ساعات و47 دقيقة أفادوا بها في عام 2010.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما أقرأ هذه النتائج واطلع على دراسات الحالات هذه، وأشاهد صور أشخاص يبدو عليهم أنهم حصلوا على قسط كاف من الراحة يرتدون ثياب نوم مريحة وتعلو وجوههم ابتسامات هادئة، أتوسل إليهم أن يخبروني: ما السبيل إلى ذلك؟ كيف ينام المرء عند الساعة التاسعة مساء بعد مسار تنقل طويل على الطرقات ودوام عمل أطول، وأعمال المنزل والعناية بالذات؟ متى يتبضع حاجيات المنزل؟ متى يهاتف والدته؟

نحن لا نرفض النوم باكراً. فمع كل صباح نشعر فيه بالإنهاك، نجدد تعهدنا بعدم السهر ليلاً. كل يوم يطالعنا مزيد من المقالات البحثية التي تربط سوء النوم بأمور مرعبة مثل السرطان وألزهايمر وقصر العمر. نعرف أن النوم مفيد بالنسبة إلينا، كعلمنا بأن الرياضة مفيدة. لكن على رغم كل فوائد النوم - من مزاياه المنقذة للحياة أو حتى شعور الفرح الذي يجلبه فقدان الوعي لبعض الوقت - يبدو أن إطالة أمده ضرب من المستحيل.  

إنها مسألة لوجستية في الواقع. فساعات النهار لا تكفي. تقضي ثمان منها في الأقل في العمل. أو أكثر على الأرجح. لذلك عندما تصل في النهاية إلى المنزل، بعد تأخير لا يمكن تفاديه في الطريق، لا يعود الوقت كافياً لكي تستحم وتتناول بعض الطعام.

حتى لو أمكن تحقيق هذه الفعالية المثالية (العمل، وممارسة الرياضة والأكل والنوم، ثم إعادة الكرة) تبدو الفكرة أشبه بجحيم. متى نخصص وقتاً للمرح؟ أو للعائلة والأصدقاء؟ يحذروننا باستمرار بأننا نعيش وباء من الوحدة. العام الماضي، وجدت حملة إنهاء الوحدة أن أقل من شخص من بين كل 10 تتراوح أعمارهم بين 16 و29 سنة أفصحوا عن شعورهم بالوحدة إما في أغلب الأحيان أو دائماً، بينما أعلنت منظمة الصحة العالمية الوحدة "مصدر قلق للصحة العامة حول العالم". 

ويعاني الأفراد أساساً ضغوطاً على حياتهم الاجتماعية بسبب القلق المرضي والمشكلات المالية، من بين أمور أخرى (لم يكن قضاء الوقت خارجاً مكلفاً إلى هذا الحد من قبل). لو ألغينا تلك الساعات المسائية الأساسية للتواصل الاجتماعي، وخلدنا إلى الفراش مباشرة بدل ارتياد الحانة، كم من الوقت يتبقى لنا كي نلتقي بأصدقائنا؟ لا شك في أنه لدينا عطلة نهاية الأسبوع لكن تلك الأيام تمضي بلمح البصر. ولا يمكننا أن نضع يوم الأحد في الحسبان - فهو مخصص لإدارة شؤون الحياة والتحضير ذهنياً للأسبوع المقبل. لو التزمنا بموعد نوم مبكر، فما يعنيه ذلك هو تسديد ضربة قاضية للحياة الاجتماعية لكثيرين، فالحفاظ على الصداقات يتطلب وقتاً وتكوين صداقات جديدة يتطلب وقتاً أكثر بعد. (لو كان الشخص في علاقة غرامية - فيفرض عليه ذلك زيادة ساعات كثيرة إلى جدول مواعيده). 

لذلك يبدو غريباً ومتنافراً أن نسمع بأن الشباب ينامون في موعد أكبر. منذ بضعة أشهر فقط، وجدت دراسة أخرى أن الفئة العمرية نفسها تعاني نقصاً تاماً في النوم. وفقاً لدراسة تناولت نحو 10 آلاف شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 18 و65 سنة، يعاني 46 في المئة من أبناء "الجيل زد" لكي يغفو أكثر من نصف أيام الأسبوع، فيما ينام 35 في المئة منهم فقط أكثر من سبع ساعات في الليل. منذ فترة قصيرة فقط، انتشر على نطاق واسع على "تيك توك" "شراب الفتاة الناعسة" (الذي يفترض به أن يكون مزيجاً من عصير الكرز الحامض وبودرة المغنيزيوم)، وهذه دلالة من الإنترنت على وجود شعب من الشباب المنهك. كما صعق الناس وحسدوا داكوتا جونسون عندما أعلنت أنها تنام 14 ساعة يومياً. وفي الوقت نفسه، ارتفع بسرعة عدد الوصفات الطبية لحبوب الميلاتونين التي تساعد في النوم، في أوساط الأطفال واليافعين في إنكلترا، فازدادت هذه الوصفات 170 في المئة خلال السنوات السبع الأخيرة وفقاً لدراسة أجرتها مجلة علوم الصيدلة The Pharmaceutical Journal عام 2022.

إن مشهد الشخص المدثر في فراشه، الذي يتصفح الإنترنت إلى ما لا نهاية عند الساعة الثالثة فجراً، والعاجز عن إقناع جسمه بالنوم هو المشهد الأقرب إلى تجربتي الشخصية، وهي أيضاً تجربة أصدقائي. طالما يتوقع منا أن ننجز المهمات كافة وأن نتعامل بكفاءة تامة مع كل شيء ونكون منتجين طوال الوقت (حتى العناية بالذات أصبحت مهمة في هذه المرحلة)، فإن الخلود إلى النوم عند الساعة التاسعة مساء ليس سوى طموحاً مثالياً ومستحيلاً آخر في قائمة لا تنتهي من المهمات والواجبات. ليس من قبيل المصادفة أننا على استعداد للقيام بأي شيء آخر لكي نحسن نوعية نومنا (الاستماع إلى أصوات الحيتان وشرب الشاي المهدئ المساعد في النوم والإصغاء إلى حكايات ما قبل النوم بصوت ماثيو ماكونهي)، لكننا لن نتخلى عن السهر. فهذه الفترة هي الوقت الوحيد الذي يمكن أن يخصصه كثيرون لأنفسهم. ساعات الظلام التي نقضيها في المتعة والحانات و"نتفليكس". هل أتخلى عن ذلك؟ أفضل التعب.