رهان زعيم المعارضة البريطانية على قضية الهجرة

منذ 1 سنة 146

المعارضة العمالية في بريطانيا تتقدم على حكومة المحافظين 14 في المائة باستطلاعات الرأي قبل رفع البرلمان (بعد غد الثلاثاء حتى السادس عشر من الشهر المقبل) لعطلة تُعرف بموسم المؤتمرات الحزبية، بينما يتقدم زعيم العمال السير كيير ستارمر 10 في المائة على زعيم المحافظين، رئيس الحكومة ريشي سوناك، في الاستطلاعات نفسها.

قبل ثلاثة أسابيع من انعقاد المؤتمر السنوي لحزب العمال، بدأ زعيمه يغازل البلدان الأوروبية التي لا تكن كثيراً من الود لحكومة المحافظين، منذ تصويت الأمة البريطانية على «بريكست»، فيما يبدو مقامرة لزيادة شعبيته، وجس نبض الرأي العام، كي يخرج من المؤتمر باتفاق أجنحة الحزب المختلفة على برنامج الانتخابات العامة التي لابد من إجرائها قبل مطلع 2025.

ستارمر، الذي فوجئ بأن الرأي العام ليس بالشكل الذي تقدمه مؤسسات صناعة الصحافة، في قضايا كالبيئة وفرض ضرائب خضراء، وشيطنة صناعات ونشاطات تقليدية، يريد أن يحرج حكومة المحافظين في إخفاقها في إيقاف تدفق آلاف من المهاجرين غير الشرعيين عبر بحر المانش، وأيضاً يريد أن يغير انطباع الناخب بأن العمال يرحبون بزيادة الهجرة. فالهجرة ستصبح إحدى أهم القضايا الانتخابية في الأشهر الـ15 المقبلة.

فيما يبدو مقامرة انتخابية، قد تنتهي بنجاح، أو تودي بشعبيته، ذهب ستارمر ووزيرة داخلية حكومة الظل، إيفيت كووبر، إلى الاتحاد الأوروبي، معلنين أنهما يعرضان على بلدان الاتحاد التعاون للحد من تدفق المهاجرين، واتخاذ إجراءات متشددة مع مهربي البشر، الذين يريد ستارمر معاملتهم كعصابات إرهابية.

أرقام تدفق المهاجرين غير الشرعيين مزعجة بالنسبة للمواطنين البريطانيين، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ونقص في أسرة المستشفيات والمساكن المتاحة والخدمات الأساسية.

في مثل هذا الوقت، في خريف 2018، سُجل 299 حادث عبور للقوارب المطاطية، طوال العام حتى الأسبوع الماضي بلغ العدد هذا العام 23.382 (في العام الماضي كانوا 45.774 ألف)، ليصل إجمالي عدد الحالات المسجلة رسمياً في 5 سنوات 108.299 ألف حالة. الأرقام من القوارب التي كانت تشرف على الغرق، واستغاثت بقوات خفر السواحل، أو قوارب الإنقاذ التطوعية (مهربو البشر يزودون المهاجرين بأرقام هذه المنظمات - أو تتصل بهم البحرية الفرنسية بعد أن يصلوا المياه الإقليمية البريطانية)، وتنقلهم من القوارب إلى الشواطئ الإنجليزية. وبالطبع هناك أعداد غير معروفة وصلت الشواطئ المهجورة، بدون أن تتعرض للغرق، وبالتالي لم تدخل هذه الأرقام السجلات الرسمية.

أعداد قوارب المهاجرين غير الشرعيين تتغير موسمياً، وتزداد في الصيف، فمثلاً الصيف الماضي (2022) كان العدد ضعف عدد هذا الصيف، لأن الجو كان أكثر اعتدالاً في العام الماضي، ويذكر القراء موجة الحر وقتها. فمثلاً عدد القوارب التي استغاثت وأنقذتها قوات خفر السواحل كانت 71 في الأشهر الثلاث الأولى من هذا العام، وهي أكثر برودة، بينما تضاعفت 3 مرات إلى 243 قارباً في أشهر الصيف الثلاثة.

ستارمر قد يخسر المراهنة، وتتحول خطته ضده لأنه يحاول إقناع البلدان الأوروبية بقبول إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين جاءوا منها، ولكن الاتحاد الأوروبي سيطلب بالطبع أن تقبل بريطانيا بـ«كوتة» سنوية من آلاف المهاجرين الذين وصلوا الشواطئ الأوروبية، وهو ما رفضته حكومات المحافظين المتعاقبة منذ عام 2010.

وربما يراهن ستارمر أيضاً على استمرار التيار الليبرالي اليساري المسيطر على القطاع الأكبر والأوسع انتشاراً من وسائل صياغة الرأي العام في النجاح في عدم تقديم صورة كاملة عما يبدو غزواً بقوارب مهربي البشر من مهاجرين غير شرعيين تتعمد الوسائل الصحافية تسميتهم لاجئين، تتكلف إقامتهم قرابة 9 ملايين دولار يومياً.

الملاحظ أن المذيعين والصحافيين لا يطرحون أسئلة بديهية لا يعقل أن تغيب عن بال صحافي مبتدئ عند تغطية موضوع الهجرة غير الشرعية.

كسؤال المهاجرين أنفسهم لماذا لم يطلبوا اللجوء في أول بلد آمن وصلوا إليه إذا كانوا فعلاً لاجئين؟

ولم تدقق الصحافة في تفاصيل خطة حكومة عمال مستقبلية في اتفاق مع أوروبا لإعادة مهاجرين: مثلاً إلى أي بلد سيمكن إعادتهم، إذ لا يُعرف، من الناحية القانونية، هويتهم أو جنسياتهم، إذ يلتزمون بخطة محكمة رسمها مهربو البشر، مثل إلقاء تليفوناتهم الجوالة وأوراق تحقيق الشخصية والسفر في البحر، ويدعون أنهم من مناطق مزقتها الحروب، فلا يمكن التحقق من جنسيتهم القانونية.

وغياب أسئلة بشأن خطة الزعيم العمالي بمعاملة مهربي البشر كإرهابيين، إذ تفلح فقط إذا دعمها الاتحاد الأوروبي بقوانين، خصوصاً وأن المفوضية تصدر طوفاناً من القوانين في كل صغيرة وكبيرة، فلماذا لم تفرض وضع شرائح ذكية لقوارب المطاط شرطاً لبيعها؟

ولم تتساءل الصحافة عن عدم اشتراط مسؤولي الهجرة ضرورة اعتراف طالب اللجوء بالمعلومات عن شبكة التهريب والأشخاص الذين قبضوا ثمن وضعه في القارب قبل ملء الاستمارات؟ خصوصاً في أول بلد وصلوا إليه عن طريق الإنقاذ، وهي الجغرافيا الأقرب إلى مركز عصابة التهريب؟

ولا نريد التخمين بما يراهن عليه الزعيم العمالي والتيارات المناهضة لحكومة المحافظين، لكن الأرجح أنه التلفزيونية هذه الأسئلة ستظل المعلومات الأساسية والحقائق عن الهجرة غير الشرعية غائبة عن الناخب.