رفع الأثقال قضية نسوية قلبت حياتي

منذ 11 أشهر 120

كثيراً ما عرفت بأن النساء قويات. فمن النساء اللاتي أعرفهن وأحبهن من عشن تجربة الحروب وعلاقات فيها تعنيف وتحملن عمليات شق الفرج ومخاضاً امتد أياماً لإنجاب أطفال يقارب وزنهم وزن كرة البولينغ المتوسطة، وهن يشغلن وظائف بدوام كامل فيما يربين الأطفال ويدرن المنزل وحدهن، ويتعايشن مع إعاقات وانهيارات نفسية، وسرطان ووفاة الأحبة - أي كل الأمور التي تتطلب من الإنسان قوة وصلابة.  

لكن في نظري، ثمة نوع من القوة اختص به الرجال وحدهم - القوة الجسدية. أو بالتحديد، تلك القوة الجسدية التي تشمل الدخول إلى النادي الرياضي وتحضير الأثقال ورفعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لو دخلت إلى نادٍ رياضي ورأيت "منطقة التستوستيرون"، قد تشاركني هذا الاعتقاد. فعادة ما تكون هذه المنطقة مليئة برجال مفتولي العضلات، ذراعهم بحجم رأسي، يختارون أثقل الأوزان ويحملونها كما لو أنها بلا وزن. يحيط بهذا القسم حقل طاقة يمكن أن يقصي أي شخص لم يخرج من رحم أمه إلى رفع الأثقال مباشرة. ومع أنني وطئت نادياً رياضياً للمرة الأولى في وقت سابق من العام الحالي، كنت أعلم بشكل ما بأن هذا القسم موجود وهو ليس مخصصاً لي. ترعرعت على رسالة مفادها أن هذا النوع من القوة الجسدية ليس للنساء، ما لم يكن رياضيات محترفات ربما.

تلقفت رسائل كثيرة أخرى عن الغاية من أجساد النساء، وبدا لي كأن أكثر الوظائف انتشاراً هي متعة الآخرين به وأحكام الآخرين عليه. لم يكن الجو العام الذي نشأت في ظله مراعياً لجسدي الذي ينمو، ولا لنمو إحساسي بشخصي وبقدراتي. وكنت فتاة تعاملت مع فترة الصبا من طريق التطوير بغض النظر التام لأي نوع من النشاط الجسدي وفي نهاية المطاف، اضطراب غذائي. لم أشعر بأنني مرتاحة داخل جسدي، ولم أشعر بأي فرح إزاء تحريك ذاك الجسد. 

استمر هذا الحال إجمالاً حتى بداية هذا العام بعدما ضربتني سلسلة من الصدمات الشخصية التي أوضحت لي وقع علاقتي السيئة مع جسدي على صحتي الجسدية والنفسية. اقترحت عليَّ صديقة أن أجرب رفع الأثقال وقابلتها في ذهني بكل الأسباب التي تمنعني من فعل ذلك، لكن عندما توقفت كي أحلل تلك الأسباب - وجدت العامل الأساس المشترك والمحزن بينها - هو الاعتقاد أنني أنا وجسدي لا ننتمي إلى مساحة تدريب يهيمن عليها رجال أقوياء. إلى متى كنت مستعدة لتحديد نفسي بهذا الشكل؟

بعد أسابيع عدة انضممت إلى نادٍ محلي. بعد إجراء بعض البحوث، كانت حركات رفع الأثقال الأولمبية قد بدأت تثير اهتمامي وطلبت أن يدلوني على طريقة استخدام الأوزان الحرة. لكن الموظف الذي عرفني بالمكان ابتسم بتهذيب ووجهني بدلاً من ذلك إلى آلات الأثقال "الألطف".

جلست لبعض الوقت كفتاة مطيعة على جهاز سحب الأثقال فيما أخذت أشاهد الرجال يرفعون الأثقال - ثم شعرت بالغضب. وتبين أن هذا الغضب جيد، فقد مدني بالشجاعة الكافية لكي أجتاز عتبة نادي كروس فيت CrossFit في كامبريا، وبعدها كان ما كان، كما يقولون في كل قصص الحب الجيدة.

أول مرة حملت فيها أثقالاً حديدية، تغير شيء ما داخل رأسي. وما حصل أشبه بتفكيك فوري لعقود من التكييف الشخصي - كل تلك السنوات التي قلت لنفسي فيها إنني لست قوية بما فيه الكفاية ويجب أن أقلل من نفسي، ومن جسدي. فور ملامسة يدي للحديد البارد، وشعوري بوزنه الثابت في يدي، علقت.

عندما أقبض على الأثقال بيدي، أشعر بأنني قوية ومتمكنة وفي حالة بسلام فوراً - ألاحظ أنني موجودة هنا، أرفع شيئاً ثقيلاً ثم أعيد وضعه على الأرض، أقوم بمهمة صعبة ثم أتعافى منها، كما لو أنني أحيا في عالم صغير على أنغام موسيقى تصويرية مذهلة تصدح من مكبرات الصوت.  

أقف بثقة وعزم داخل مساحة التمرين، وأحتل المساحة كاملة. باعتباري شخصاً قرأ ما يكفي من كتب المساعدة الذاتية، أدرك جيداً ما هو مفهوم حب الذات، لكنني لم أتوقع أبداً أن يحل عليَّ فيما أتدلى من جهاز وأحاول أن أقوم بتمرين سحب ويدي ملطختان بالطبشور في صندوق جدرانه سوداء داخل مساحة صناعية.

لكن ذلك صحيح، فأنا حقاً أحب ذاتي داخل هذه المساحة وأحب جسدي وكل ما هو قادر عليه. وما زلت أشعر بأن هذا الأمر ثوري، كما كونت في هذا الطريق صداقات جديدة وقضيت وقتاً برفقة نساء قويات بكل معنى الكلمة، عندما نقلب معاً الإطارات ونتسلق الحبال ونتقن تمرين الضغط بالوقوف على اليدين، ورفع الأثقال سوية وحمل الأثقال على الكتفين وتمرين القرفصاء العلوي. تبين لي بأن رفع الأثقال هو الدواء الناجع لفتاة نشأت في تسعينيات القرن الماضي حين كانت أهم إنجازات النساء على الصعيد الشخصي أن يكن نحيلات وصامتات. 

بعد مرور خمسة أشهر على إتمامي الجلسات الأولية الرئيسة، التي استعرض فيها المدربون أمامي بدقة وحذر طرق مقاربة تمارين رفع الأثقال الرئيسة، خضت أول مسابقة مناسبة لمستواي وأمامي اثنتين أخريين العام المقبل.

أدرك الآن أن شعور المرأة بالإقصاء عن قسم رفع الأثقال في النادي الرياضي مسألة نسوية ليس فقط لأنها تعزز الأفكار النمطية القديمة عما يجب على جسد المرأة أن يفعله أو يمتنع عنه، بل لأنها تحرمنا كذلك من بعض أهم التمارين القادرة على تحسين صحتنا الجسدية والنفسية ككل. فتمارين رفع الأثقال والمقاومة قادرة على زيادة كثافة العظام، وهو أمر مهم لأنها تتراجع مع العمر، فتصبح النساء بعد توقف الحيض أكثر عرضة للإصابة بترقق العظام. ويوفر هذا النوع من التمرين كذلك فوائد كثيرة أخرى مثل إفراز الأندورفين وتحسين صحة القلب كما ربط بتقليص خطر الوفاة المبكرة.

فإن كنت تقرئين هذه الكلمات ولم تدخلي النادي الرياضي يوماً لاعتقادك أنك لا تنتمين إلى هذا المكان، لكنك ترغبين كذلك سراً بأن تشعري بقوة كبيرة كما البطلة الخارقة من نواحٍ عديدة، آمل في أن تبحثي عن مكان لرياضة الكروس فيت أو نادٍ رياضي آخر يستقبلك ويرحب بك، كما يجب الترحيب بالجميع، ثم تقفي أمام بار الأثقال وتحاولي أن ترفعيه. قد تتغير حياتك أنت أيضاً.