ملخص
إعادة تشغيل صالة رياضية في غزة أسهم في تفريغ الطاقة السلبية عند الرياضيين وكان جزءاً من تجربة إعادة إعمار المناطق المدمرة.
عندما اقترب موسى من البناية التي كانت تضم صالته الرياضية في غزة، انصدم من حجم الدمار الذي لحق بها، يقول "كانت مكونة من ستة طوابق، لكن عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي المنطقة دمرها بالكامل، وحولها إلى أنقاض".
ببطء وحذر شديدين اقترب موسى من البناية، وأخذ يتفقد الطابق الأرضي حيث يقيم فيه صالة رياضية ضخمة، وبعدما تمعن في المكان صرخ فرحاً بصوت عال "إنه سليم ويمكن إعادة افتتاحه" وسارع في فتح الأبواب.
خراب وغبار وركام
"كل شيء خراب، كأن زلزالاً ضخماً هز المكان" هكذا يصف موسى صالة رفع الأثقال، بعدما تمكن من الدخول إليها، ويقول "وجدت شظايا القنابل الإسرائيلية في كل أرجاء الصالة الرياضية، الغبار كان يغطي المكان وكأنه مهجور منذ قرن".
بإصبعه مسح موسى على جهاز تمارين الصدر طبقة من الغبار المتراكم عليه، وهز رأسه "كل شيء سيبدو رائعاً، سأعيد ترتيب المكان من جديد، وافتتحه على رغم الحرب فنحن شعب لا يبالي بالانفجارات واقتحامات الجيش".
مثل النحلة كان يعمل موسى، رفع الركام وأثناء انشغاله في تنظيف المكان مارس القليل من رفع الأثقال، ثم واصل في نفض الغبار، وبعدها حاول إصلاح الأجهزة الرياضية التالفة أو تلك التي أصابتها أعطاب بسبب الدمار في المكان.
افتتاح الصالة الرياضية
بعد أسبوع واحد من انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أعاد موسى تشغيل صالته الرياضية المخصصة لتدريب الشباب على رفع الأثقال، يضيف "كان تحدياً لنفسي أن أنجح في تلك المهمة، واعتبرت أن ما فعلته سيكون نموذجاً مصغراً لإعادة إعمار غزة بعد الحرب".
بسرعة توافد الشباب على الصالة الرياضية، التي يحيطها ركام المباني المنهارة نتيجة القصف الإسرائيلي، إذ كانت جميع جوانب "الجيم" بلا حيطان ومشاهد الدمار واضحة لكل لاعبي رياضة رفع الأثقال.
إقبال المتدربين
إعادة تشغيل صالة رياضية على رغم الحرب في غزة كان أمراً غريباً، وعلى رغم ذلك شهد "الجيم" إقبالاً كبيراً، يشير موسى أنه قبل بدء الحرب كان متدربون فلسطينيون يطمحون للتسجيل في بطولات عالمية وتمثيل فلسطين في المحافل الدولية، إلا أنهم بسبب الحرب أصبحوا ضحايا فهم إما قتلى أو مصابون أو لاجئون.
يوضح موسى أن عودة شباب غزة للعب الرياضة بسرعة يجسد مشهد إصرار وتحد لمواجهة الحرب بكل ظروفها القاسية، ويدلل على أن سكان غزة يحبون الحياة والسلام ويبحثون عنه على رغم الحرب التي تقتلهم.
وعلى رغم مشهد الدمار المخيف، فإن جهاز تمارين الفخذ كان مشغولاً، وبجانبه كان يلعب رياضي آخر على جهاز تمارين عضلة المعدة، وأيضاً كانت قطع الحديد "دامبلز" بجميع أوزانها مشغولة ويتمرن عليها لاعبون لتنشيط عضلات اليد والكتف.
وبينما كان سهيل يتمرن على تنمية عضلات الصدر، كان يقول "حافظت على مدار 12 عاماً على التدريب، والآن أعود للنادي سعياً إلى تحقيق حلمي المتمثل في رفع علم فلسطين أثناء مشاركتي في استعراض أفضل أجساد رياضية".
تفريغ نفسي
يلعب سهيل أيضاً تخفيف ضغوط الحرب النفسية والتغلب عليها، ويضيف "الموت يلاحقنا، لكن نحن في غزة لدينا الجرأة والإصرار لممارسة حياتنا بصورة طبيعية، من دون استسلام أو رضوخ".
في ساعات الصباح الباكر تخصص الصالة الرياضية للنساء، وتستقبل رياضيات يرغبن في ممارسة تمارين لياقة، وتقول مدربة الرياضة أماني زهد "على رغم القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف قررت النسوة استرجاع قوتهن الرياضية والعودة للتدريب".
تضيف أماني، "نحن شعب يحب الحياة، ومن أبسط الأشياء نحاول إسعاد أنفسنا، وهناك إقبال من الفتيات والنساء على "الجيم"، وغالبيتهن يأتين من أجل تفريغ الكبت والاكتئاب اللذين سببتهما الحرب في نفوسهن".
تصر أماني للذهاب إلى الصالة الرياضية، على رغم الخطر الذي تتعرض له أثناء ذهابها إلى "الجيم"، ودائماً تسمع صوت المدفعية إضافة إلى القصف المستمر والمحيط بالمكان، تؤكد "نحن مستمرون في التحدي، على رغم كل شيء يحصل".
كفيف
كل من يأتي إلى الصالة الرياضة مثقل بالجراح وقد ذاق كثيراً من ويلات الحرب، ولعل أبرز تلك الحالات هي قصة الكفيف صالح الذي يزور كل يوم نادي رفع الأثقال على رغم فقدان بصره برصاصة من قناص الجيش الإسرائيلي.
يقول صالح، "على رغم الحرب فإنني أرغب بالتفريغ عن نفسي، وأمتلك طموحات أسعى إلى تحقيقها، مثل أن أصل إلى مستوى عال في التدريب وأرقام كبيرة من الأوزان".
تحديات تشغيل قطاع الرياضة
تعد إعادة افتتاح الصالة الرياضية على رغم الحرب إنجازاً، لكن هناك كثيراً من التحديات أمام ذلك، يقول رئيس الاتحاد الفلسطيني لرفع الاثقال عزام الشوا، "هناك مخاوف كبيرة بسبب الأوضاع الخطرة واستمرار القصف الإسرائيلي على المناطق المحيطة بصالة النادي".
يضيف الشوا، "وصل سكان غزة إلى مرحلة التكيف مع الظروف المحيطة، وبخاصة أن أمد الحرب طال كثيراً، والشباب باتوا يبحثون عن طريقة لتفريغ الضغط النفسي وإعادة بناء أجسادهم من جديد".
ومن أبرز التحديات التي تواجه الرياضيين هي حاجتهم إلى نظام غذائي دقيق ومتكامل، تتوفر فيه بروتينات وكربوهيدرات وفيتامينات وعناصر غذائية، يوضح الشوا "أن توفير هذا النظام يبقى تحدياً صعباً وبخاصة في وقت يعاني فيه قطاع غزة نقصاً شديداً في المواد الغذائية، لا سيما اللحوم والخضروات والفواكه".
في الواقع يعتمد سكان القطاع بينهم الرياضيون على المواد الغذائية المعلبة، التي توفرها بالعادة المساعدات الغذائية الإغاثية التي يتم توزيعها من مؤسسات دولية.
بحسب الاتحاد الفلسطيني الرياضي فإنه بسبب الحرب قتل 400 رياضي ودمرت مئات المنشآت الرياضية وأدى ذلك إلى توقف النشاط الرياضي بالكامل في غزة.