لا يَحول التضخّم ولا أعمال العنف التي تشهدها المدن الفرنسية دون تعويل مهرجان أفينيون أكثر من أي وقت مضى على حضور الجمهور في دورته السابعة والسبعين التي تُفتَتَح الأربعاء، في ظل تجدُّد اهتمام الفرنسيين بالمسرح بعد جائحة كوفيد.
ودلالةً على طموحه هذا، بكّر المهرجان الذي يقام للمرة الأولى بإشراف مديره الجديد البرتغالي تياغو رودريغيز، في فتح باب بيع التذاكر، فأتاحها اعتباراً من مطلع نيسان/أبريل الفائت بدلاً من منتصف حزيران/يونيو كما جرت العادة، مفسحاً الوقت الكافي للراغبين في حضور عروض دورته الجديدة الممتدة من الخامس من تموز/يوليو الجاري إلى الخامس والعشرين منه.
ويكتشف جمهور أفينيون هذه السنة وجوهاً جديدة من الولايات المتحدة وبريطانيا، نظراً إلى كون الإنكليزية ضيفة هذه الدورة، لكنّ البارز أيضاً أن المهرجان يعاود للمرة الأولى منذ 2016 إقامة العروض في مسرح شهير في الهواء الطلق هو كاريير دو بولبون، افتُتح عام 1985 بمسرحية "ماهاباراتا" لبيتر بروك. وكان هذا الموقع الكائن على بعد نحو 15 كيلومتراً من أفينيون مقفلاً منذ سبعة أعوام.
وتُعرض في موقع كاريير دو بولبون مسرحية "لو جاردان دي ديليس" (le Jardin des Delices) للمخرج فيليب كين، وسيصبح مجدداً المركز الثاني للمهرجان، إذ يتسع لنحو 1200 متفرج، فيما تبلغ القدرة الاستيعابية للمسرح الكبير في "قصر البابوات" 1947 مشاهداً.
وعلى هذا المسرح ستقدّم جولي ديليكيه، التي ستصبح بعد أريان منوشكين ثاني امرأة تحظى بشرف افتتاح المهرجان خلال أعوامه السبعة والسبعين، عرضاً مقتبساً من الوثائقي "ويلفير" للأميركي فريديريك وايزمان عن مركز للمساعدة الاجتماعية.
وكان من المفترض أن تُعرض في المهرجان مسرحية جديدة للمخرج البولندي الكبير كريستيان لوبا هي "المغتربون"، كان محبو أفينيون يترقبونها، لكنّ دار "كوميدي دو جنيف" قررت إلغاء العرض الأول للمسرحية ثم "إلغاء إنتاجها" كلياً، بسبب ما وُصف بـ"الاختلافات في فلسفة العمل" بين المخرج والفرق الفنية.
وألغيت المسرحية على إثر ذلك من برنامج أفينيون أيضاً، واستعيض عنها بمسرحية لمدير المهرجان نفسه.
حضور يتأثر بالتطورات
ويُعدّ "أفينيون" الذي أطلقه عام 1947 جان فيلار أشهر مهرجان مسرحي في العالم إلى جانب ذلك الذي يقام في إدنبره الاسكتلندية، وهو يحوّل مدينة الباباوات مسرحاً كبيراً في تموز/يوليو من كل سنة.
ويقام المهرجان بالتزامن مع "أوف دافينيون"، أكبر سوق لعروض الأداء الحيّ في فرنسا، وللحدثين منافع اقتصادية تُقدّر بعشرات ملايين اليوروهات.
ورغم الفوارق بين سلوك جمهور المهرجان وجمهور القاعات الدائمة، أظهرت دراسة حديثة حماسة قوية لدى الفرنسيين للمسرح، رغم تراجع الحضور.
وبيّنت الدراسة التي أجرتها هيئة "ميدياميتري" للإحصاءات بطلب من جمعية دعم المسرح الخاص وأصدرت نتائجها هذا الأسبوع، أن 21 في المئة من الفرنسيين ذهبوا إلى المسرح، سواء أكان خاصاً أم عاماً، طوال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، بينما كانت نسبتهم 27 في المئة الموسم الفائت، أي ثلاثة ملايين متفرج أقل.
وأشار التقرير إلى أن الحضور "تأثر بالأحداث الجارية"، إن لجهة الحرب في أوكرانيا أو في ما يتعلق بالتضخم.
إلاّ أن الشهية للمسرح زادت، إذ أفاد 73 في المئة ممن شملهم الاستبيان بأنهم قصدوا المسارح "كثيراً أو أكثر من ذي قبل". وبلغ معدّل عدد المسرحيات المُشاهَدَة 5,4.
ولا يزال الانتشار بالتواتر "أفضل طريقة" للتسويق لأي مسرحية، وفقاً للدراسة التي أشارت إلى أن فاعلية هذا الأمر تثبت كل عام في "أوف أفينيون".
أما الأسباب التي تحول دون الحضور، فكشفت الدراسة أن 67 في المئة يعتقدون أن "الذهاب إلى المسرح مكلف جداً"، حتى لو كانت هناك "فجوة معينة بين التصور السائد عن سعر تذكرة المسرح وبين الواقع".