كان الجنرال شارل ديغول يمتعض من أشياء كثيرة، أشهرها قصر الإليزيه واستخدام الهاتف. وعندما انتخب رئيساً عام 1958 أراد السكن في قصر قرب غابة فانسين، لكن القصر كان يخضع للتصليحات وغير جاهز، فاضطر إلى السكن في الإليزيه (قصر عسراوي)، الذي لم تكن تطيقه أيضاً زوجته، التي ناداها الفرنسيون «العمة إيفون»، بسبب حياة البساطة التي لم تتخلَّ عنها.
بدل أن يسكن في الدور الأرضي من الإليزيه مثل أسلافه، اختار الدور الأول حيث حركة الموظفين أقل. وعندما تفقد المكان، لاحظ أن الشقة أكثر انشراحاً أيضاً. فوقف في النافذة المطلة على الحديقة ونادى زوجته فرحاً «إيفون، سوف يكون جيراننا البجع والكنارات».
أما كره الهواتف فإن له قصته. كان لا يزال عقيداً آمراً لسلاح الدبابات عندما استدعاه رئيس الوزراء «بلوم» لكي يشرح له ميزات الدبابة الجديدة. وما إن وضع تصميم الدبابة أمامه وبدأ يشرح حتى رنَّ الهاتف. وصار يرن كل خمس دقائق، ورئيس الوزراء يرد على المتصل، ثم يغلق السماعة ويعود إلى ديغول سائلاً: أين كنا؟
عندما أصبح ديغول رئيساً للجمهورية كان بين أوائل القرارات التي اتخذها: يمنع على أي كان الاتصال هاتفياً برئيس الدولة في أي حال من الأحوال، ويسمح بذلك لرئيس الوزراء فقط في الحالات الطارئة. وكان على مكتبه هاتفان، لم يُسمع لهما صوت طوال السنوات العشر، التي قضاها في الإليزيه.
«العمة إيفون» كانت أكثر امتعاضاً من الهاتف. وفي منزلهما الريفي وضعته تحت درج المدخل كي لا يراه. وكانت هي تستخدمه فقط لدعوة أصدقاء القرية، وللتحدث إلى البقالين عندما تطلب أغراضاً للمطبخ. وما عدا ذلك فقد كانت تردد أمام الجميع «إن الهاتف لم يُصنع لكي نروي له قصة حياتنا».
عاش أشهر رجل في فرنسا حياة غاية في البساطة والتقشف. وكما كره فخامات الإليزيه، فإن العمة إيفون أرادت له ألا يخوض معركة الرئاسة بعد الولاية الأولى. كلاهما رأى أن السعادة الحقيقية هي الحياة مع الأحفاد بعيداً عن مناورات باريس والمؤامرات والهرطقات الصغيرة.