مع ظهور عصابات الدراجات النارية في الولايات المتحدة عام 1945، وانتشار هذه الظاهرة في عشرات البلدان حول العالم، ارتبط اسم الدراجة النارية بالخطر الذي يطاول ليس راكبها وحسب، ولكن يمتد أثره ليصل إلى المحيط القريب منه بما فيه من سيارات صغيرة ومتوسطة وكبيرة، إضافة إلى المارة والمتجولين في الشوارع، لذلك تحولت الدراجة النارية خلال عقود قليلة من الزمن في ذهن كثيرين من كونها وسيلة نقل تستخدم في مهام مدنية مهمة لا تنافسها فيها السيارات ووسائل النقل الكبيرة الأخرى إلى أداة لتنفيذ الجريمة وإزعاج الآخرين وخصوصاً في ما يتعلق بجرائم السرقة والتحرش والنشل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع أن أول ظهور للدراجة النارية كان عام 1885م على يد المهندس الألماني غوتليب دايملر (1834-1900) الذي سجل براءة اختراعها قبل أن يسجل كارل بنز براءة اختراع السيارة بعام واحد، مع ذلك وصلت السيارة إلى مرحلة متقدمة من الأمان تفوق الدراجة النارية بكثير من المراحل، ويقول مطورون لهذا الاختراع "إن تعديلات بسيطة على الدراجة النارية كانت كفيلة بالوصول إلى مرحلة مطابقة للسيارة من حيث الأمان"، ومع تأخر المطورين في تعديلات الأمان ظلت الدراجة النارية لعقود من الزمن بمثابة أداة جريمة جاذبة لهواة المخاطرة والمجازفات وأفراد العصابات الذين أسهموا بشكل واضح في دخول هذا الاختراع إلى عالم الجريمة من أوسع أبوابها.
عهد جديد
بدءاً من القرن الحالي التفت بعض مطوري الدراجات النارية إلى ضرورة أخذ اختراعهم باتجاهات علمية وعملية جديدة أكثر رحابة وأماناً، وفي محاولة لإزالة الصورة السلبية التي لازمت هذا الاختراع المهم اتجهوا نحو تقليد دور الدراجة النارية البطولي في تحقيق العدالة وتنفيذ القوانين، كما ورد في بعض أفلام الخيال العلمي تماماً، كما حاولوا أخذ هذا الاختراع الصغير إلى عالم الطيران في السماء، إذ استفاد من التقدم التقني في مجال الفضاء فتزايدت ثقة الناس به، إذ طورت شركة يابانية هي "إيروبنز تكنولوجيز" في 2022 الدراجة النارية الطائرة، ووصلت شركة "بي أم دبليو" وشركات أخرى قبل هذا التاريخ بأعوام عدة إلى نماذج ذكية من الدراجات النارية التي تمتعت بالقدرة على القيادة الذاتية، في محاولة لمحاكاة تجربة السيارة ذاتية القيادة، والطيار الآلي، وبعض برامج الملاحة البحرية التي تسمح التكنولوجيا فيها بقيادة المركبة من دون تدخل بشري مباشر، وذلك تلافياً أيضاً لوقوع الخطأ البشري الذي يقف خلف 90 في المئة من أسباب الحوادث القاتلة على الطرقات.
هل ظلم الإنسان هذا الاختراع؟
يقول سام سايكل، الكاتب في موقع "نادي الرياضات الميكانيكية"، "احتمالية قتل راكب الدراجة النارية في حوادث الطرق تكون مضاعفة عن بقية المركبات، مع ذلك فإن 70 في المئة من حوادث الدراجات النارية مع السيارات سببها سائقو هذه السيارات".
ويضيف "الزمن المتاح أمام راكب الدراجة النارية لتفادي الخطر (وفق إحصاءات عالمية) قصير جداً ويبلغ 1.9 ثانية، ومع مرور الوقت تمكنت التقنيات الحديثة المتعلقة بمهارات القيادة والتوازن، إلى جانب التوعية بأهمية ارتداء خوذة واقية للرأس، والحرص على ارتداء ملابس خاصة، إضافة إلى تحديث القوانين والتشريعات المرورية المتعلقة بالدراجة النارية، من تخفيف نسبة الحوادث القاتلة ولكن ليس بشكل كاف، ومع ذلك تمثل ثقافة الدراجات النارية عوالم أوسع من ذلك بكثير، بخاصة في ما يتعلق بارتباطها بالجريمة عموماً وجرائم النشل تحديداً.
تسبب جريمة النشل عبئاً كبيراً على أجهزة الأمن لأنها من الجرائم التي لا يترك مرتكبوها أثراً بعدها، وفي دراسة لصحيفة "ديلي إكسبرس" نشرت نتائجها عبر وسائل إعلام عربية قبل أعوام قليلة، تحول النشل إلى وباء تعج به الشوارع البريطانية، إذ ارتفعت جرائم النشل خلال عام واحد بمعدل وصل إلى 20 ألف جريمة، وتعرض 600 ألف شخص للنشل خلال 12 شهراً، مقابل ذلك أكد مكتب الإحصاءات الوطنية انخفاض نسبة الجرائم غير جريمة النشل بنسبة ستة في المئة في تلك الفترة.
وفي واحدة من المدن العربية، ضبطت أجهزة الأمن 600 دراجة نارية خلال خمسة أشهر، وفق تصريحات الأجهزة الأمنية المتخصصة لبعض وسائل الإعلام، وذلك ضمن حملة لاحقت المخالفين لأنظمة قيادة الدراجات النارية قانونياً وأخلاقياً بما في ذلك عمليات السلب والنشل، وتعليقاً على الحدث عبر مواطنون عن قلقهم الدائم من وجود الدراجات النارية على الطرقات، إذ قال أحدهم "قيادتها مقلقة لسائقي المركبات"، فيما ذهب آخر إلى أن الشباب الذين يقودون الدراجات النارية يزعجون العائلات في الأسواق، وأكد ثالث أن عمليات النشل يعتمد نجاحها على الدراجة النارية، إضافة إلى دورها في المعاكسات والتحرش والإيذاء المتعمد للمارة.
لمحة تاريخية
الدراجة البخارية (مركبة ذات عجلتين مدفوعة بالبخار) ظهرت أولاً في أميركا عام 1867 في حلقات السيرك وصانعها هو سلفستر هواردروبر، وفي 1894 ظهرت أول صيغة حقيقية للدراجة النارية الحديثة من خلال دراجة "هايلدير أند وولغمور" في ميونخ، وفي 1890 طورت شركة "دوديون بوتون" المحرك ليصبح صغيراً وخفيفاً وذا كفاءة بقوة نصف حصان، وهناك نوعان رئيسان للدراجة هما دراجة الطرق الممهدة للاستخدام على الطرقات بوزن يقارب 110 - 230 كغم، والثاني دراجات خارج الطرق والأسطح المرصوفة (للطرق الوعرة) ولها عجلات عريضة ووزنها 68 - 110 كغم، أما الدراجات الكهربائية فهي مثل النارية لكن محركها كهربي، وهناك الـ"سكوتر" وهو دراجة نارية منخفضة واستخداماتها الرئيسة في المرور والأمن وتوصيل المستندات والطرود الصغيرة وفي السباقات.
أخيراً ورد في مجلات الهندسة العالمية عام 1901 أن الدراجة النارية هي "شكل من أشكال الترفيه الذي يمكن أن يستهوي مجموعة من المعجبين الأكثر تهوراً"، فيما قام عديد من المبتكرين بتحسين هذا الاختراع بطرق بسيطة من خلال ابتكار دراجة هندية بمحرك أحادي الأسطوانة بقوة 1.75 حصاناً، وهكذا ولدت الدراجة النارية الهندية الأسطورية، في حين خرج عديد من المصنعين الأميركيين بنماذج مماثلة بما في ذلك الشركة التي أصبح اسمها مرادفاً للدراجة النارية "هارلي ديفيدسون" وذلك عام 1903، وتسمى الدراجة النارية أيضاً بالطفطافة أو الجوالة أو الدباب.