"رحلة العائلة المقدسة" إلى مصر على قائمة التراث العالمي لليونسكو

منذ 1 سنة 261

بعد جهود دامت لسنوات عدة نجحت مصر في تسجيل الاحتفالات المرتبطة بـ"رحلة العائلة المقدسة" (أي رحلة القديس يوسف والسيدة العذراء مريم والطفل يسوع من فلسطين إلى مصر) على قوائم التراث غير المادي للـ"يونسكو"، وذلك خلال اجتماعات اللجنة الحكومية الدولية التابعة للمنظمة لصون التراث الثقافي غير المادي التي انعقدت في العاصمة المغربية الرباط، واستطاعت مصر عبر جهود وزارتي الثقافة والخارجية ومن خلال إعداد ملف شامل عن رحلة "العائلة المقدسة" النجاح في حشد تأييد واسع وصل إلى حد الإجماع على تسجيلها للعنصر.
وبتسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة "العائلة المقدسة" يصبح لدى مصر سبعة عناصر مسجلة على قائمة التراث العالمي غير المادي وهي "السيرة الهلالية"، و"التحطيب"، والممارسات المرتبطة بالنخلة، وفنون الخط العربي، والنسيج اليدوي في صعيد مصر، والأراجوز وأخيراً الاحتفالات المرتبطة برحلة "العائلة المقدسة".
وقالت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني في بيان صحافي، إن "تسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي يعد رسالة سلام ومحبة وأمن من الأرض التي احتضنت العائلة المقدسة وأعادت إحياء مسارها وحافظت عبر مئات السنين على الاحتفاء برحلتها إلى مصر فيما يشهد العالم صراعات على العقيدة"، مشيرةً إلى أن "تلك الرسالة هي التي أكدت عليها مصر خلال كلمتها في اجتماعات لجنة صون التراث الثقافي غير المادي باليونسكو في الرباط".
وأشارت نهلة إمام، مستشارة التراث الثقافي غير المادي بوزارة الثقافة، موفدة الوزارة إلى اجتماع اللجنة الحكومية الدولية لليونسكو، في بيان إلى أن "مصر تقدمت لليونسكو بملف متكامل رصدنا ووثقنا خلاله الاحتفالات المتعلقة بالعائلة المقدسة وطقوس تلك الاحتفالات الشعبية وكل ما يرتبط بها من ترانيم وأطعمة وحرَف وتراث في كل نقاط المسار الخاص برحلة العائلة المقدسة إلى مصر، وسجلنا تاريخ هذه الاحتفالات وكيف حافظت مصر على هذا التراث حتى وقتنا الحاضر، كما قمنا بتوثيق عيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر في الأول من يونيو (حزيران) والاحتفالات بمنطقة كوم ماريا جنوبي محافظة المنيا في فبراير (شباط) والاحتفالية الكبرى بصوم السيدة العذراء مريم في شهر أغسطس (آب) من كل عام".

14916-HUG.jpg


الملف المصري لتسجيل احتفالات "العائلة المقدسة"

ملف متميز قدمته مصر إلى الـ"يونسكو" استغرق إعداده سنوات قبل تقديمه للـ"يونسكو" والنجاح في تسجيل احتفالات "العائلة المقدسة"، وعنه يقول الدكتور مصطفى جاد، عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، ممثل الوفد المصري المشرف على إعداد الملف، "قمنا خلال إعداد الملف بوضع خطة عمل محكمة لجمع وتوثيق عناصر الاحتفالات الموجودة على مسار الرحلة بخاصة احتفالية مولد السيدة العذراء وعيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر التي جاوزت الثلاثة ملايين محتفل بخاصة في صعيد مصر، كجبل الطير في المنيا ودرنكة في أسيوط.

 ورصدنا الحكايات والروايات الشعبية حول العائلة المقدسة والاحتفالات المرتبطة بعلاج العقم، وتعميد المواليد، والترانيم والأغاني المصاحبة لزفة الأيقونات، ومشهد تمثيل العائلة المقدسة من قبل جمهور المحتفلين، والممارسات حول عيون الماء وشجرة مريم، ولعب الأطفال، والرقص على إيقاعات الطبل البلدي والمزمار".

 ويضيف "تشرفت على مدى أربع سنوات بالعمل والإشراف على إعداد هذا الملف وكتابته، وإخراج الفيلم الوثائقي حول الفيلم حتى قُدم الملف على هذا النحو المشرف، وقدمت مصر الملف في فبراير2021، وتم تقديمه للتحكيم في اجتماع "اليونسكو" الذي عقد في الرباط ووافقت عليه 21 من أصل 24 دولة أعضاء في اللجنة. وفور الإعلان عن نجاح الملف تدفقت التهاني من الوفود العالمية للوفد المصري على النجاح الكبير للملف".

اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي

هناك أشكال مختلفة لتسجيل التراث الثقافي غير المادي على قوائم "اليونسكو"، وعنها يقول عادل موسى، أخصائي توثيق التراث الثقافي غير المادي والمفسر المحلي لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي وعضو اللجنة الاستشارية للجمعيات الأهلية بالـ"يونسكو" ممثلاً عن جمعية التراث النوبي، إن "التسجيل يتم بناءً على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي وقعتها مصر في عام 2005 مع أكثر من 170 دولة، وتحث على احترام الهويات والثقافات المختلفة ومشاركة المجتمع في توثيق تراثه، ومن خلال الاتفاقية تقوم الدول كل سنة بعرض تراثها وتقديم ملفاتها لتسجيل عنصر من تراثها الثقافي"، ويضيف "يتم التسجيل من خلال ثلاثة فروع مختلفة وهي القائمة التمثيلية، وتعني أن الدولة لا تحتاج إلى مساعدة بخصوص هذا العنصر وأنه  يمارَس في الدولة بشكل جيد، فتسجله الدولة باعتباره متواجداً وقائماً ويجب الانتباه له ومتابعته. وهناك قائمة أخرى وهي قائمة الصون العاجل وتعني أن هناك عنصراً مهدداً بالاندثار يتعرض لمشكلات، فتبدأ منظمة "اليونسكو" من خلال صندوق الدعم الدولي الإنفاق على الخطة التي تقدمها الدولة لإنقاذ هذا العنصر من الاندثار، والقائمة الثالثة هي الممارسات الجيدة، وتعني أن العنصر كان مهدداً والدولة وضعت خطة داخلية لإنقاذه وتسجيله وباتت تعرض جهودها لتكون مرشدة لدول أخرى في هذا المجال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أماكن واحتفالات بـ"العائلة المقدسة"

وتفيد المراجع، بأن "العائلة المقدسة" أمضت ما يقرب من ثلاث سنوات في مصر وتنقلت في أماكن مختلفة من سيناء شرقاً مروراً بدلتا النيل حتى وصلت إلى الصعيد وباركت ما يقرب من 25 موقعاً أقامت فيها خلال الرحلة، وإلى جانب المواقع الخاصة بـ"العائلة المقدسة" فإن الاحتفالات المرتبطة بها تمثل أهمية كبرى بالنسبة إلى المصريين وتمثل جزءاً رئيساً من تراثهم الثقافي، وعنها قال موقع "اليونسكو" الرسمي، "في كل عام، يتم إحياء ذكرى هذا الحدث من خلال مهرجانَين يشارك فيهما المصريون بأعداد كبيرة، بمَن فيهم مسلمون ومسيحيون أقباط من كل الأعمار والأجناس، ويضم ملف تسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة حدثان هما "عيد مجيء العائلة المقدسة إلى مصر"، وهو حدث ليوم واحد يُقام بشكل عام في بداية شهر يونيو، أما الحدث الثاني، فهو "ميلاد العذراء"، حين تقام وليمة في عديد من البلدات والمدن، بما في ذلك درنكة بأسيوط والقاهرة بين شهري مايو (أيار) وأغسطس".
وتشمل الأنشطة التي تقام في هذه الاحتفالات الغناء والألعاب التقليدية والرسم على الجسد وإعادة تمثيل الرحلة والمواكب الدينية والعروض الفنية ومشاركة الأطعمة التقليدية، حيث تمتلئ الاحتفالات بالوظائف الاجتماعية والمعاني الثقافية، بما في ذلك النسيج الاجتماعي والثقافي الموحد بين المسيحيين والمسلمين الذي ظهر خلال الاستعدادات والاحتفالات، كما ترتبط الفعاليات أيضاً بتقديم الخدمات التطوعية للزوار من قبل السكان المحليين وتبادل الهدايا، وتنتقل المعرفة والمهارات من خلال الكنائس والأديرة، داخل العائلات ومن خلال المشاركة النشطة في الطقوس.

14919-HUG.jpg


وتقول عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري بأسوان، مونيكا حنا، عن أهمية هذا الحدث، إن "نجاح مصر في إدراج الاحتفالات المصاحبة لرحلة العائلة المقدسة على قوائم التراث العالمي لليونسكو للتراث غير المادي يعد نجاحاً كبيراً، وينبغي أن يكون بدايةً للسعي لإدراج عناصر أخرى من التراث المسيحي مثل الليتورجيا القبطية (القداس القبطي)، فالأجيال الجديدة لا تعرف عن اللغة القبطية الكثير مثل السابق، ويمكن أن يلقي هذا الضوء عليها فهي جزء من التراث الثقافي الذي ينبغي الحفاظ عليه، كما أن اليونسكو تهتم بمثل هذه اللغات التي لا تحظى بالانتشار"، وتضيف مونيكا حنا، "إن إدراج احتفالات رحلة العائلة المقدسة على قوائم التراث العالمي من شأنه أن يضعها موضع الاهتمام ويدفع المصريين وغيرهم إلى التعرف عليها وعلى مزارات رحلة العائلة المقدسة، فكثير من المصريين يحتاجون إلى التعرف والتواصل مع تراثهم من كافة العصور وتسعى مثل هذه الأحداث إلى إلقاء الضوء على بعض جوانبه".

مشروع لتطوير نقاط مسار رحلة العائلة المقدسة

في سياق متصل، تبنت مصر منذ سنوات مشروعاً متكاملاً لتطوير نقاط مسار رحلة العائلة المقدسة وإحيائه باعتباره مشروعاً قومياً من خلال تطوير وترميم المواقع الخاصة برحلة العائلة المقدسة التي تصل إلى 20 موقعاً، وتطوير المناطق حولها وتزويدها بالخدمات التي تتناسب مع تحويلها إلى أماكن ومزارات سياحية، ومن بين أشهر المواقع التي أقامت فيها "العائلة المقدسة" في مصر، أديرة وادي النطرون، وشجرة مريم بالمطرية، وكنيسة أبي سرجة في منطقة مجمع الأديان، وكنيسة العذراء مريم في جبل الطير بالمنيا، ودير المحرق في أسيوط وغيرها لوضعها على خريطة السياحة للمصريين والأجانب على السواء.