تحول حلم الثراء السريع عبر البحث والتنقيب عن الذهب في الأردن إلى كابوس قاتل لمريديه بعد تسجيل عشرات حوادث الوفاة، كان آخر ضحاياها شابان انهارت فوقهما مغارة، بينما وقعت جريمة مروعة قتل فيها شاب بسبب خلاف مع شركائه في البحث عن الدفائن.
وخلال الأعوام الأخيرة تزايدت قصص البحث عن الذهب في الأردن استناداً الى معلومات غير موثقة حول وجود كنوز عثمانية قديمة بمناطق عدة.
تاريخياً، كانت منطقة الأردن ضمن الحكم العثماني وتم استخراج الذهب في بعض المناطق خلال تلك الفترة، ومن بين هذه المناطق محافظة معان جنوب البلاد، حيث تم استخراج الذهب من منجم "المدورة" في القرنين الـ 16 والـ 17.
وفي الوقت الحالي لا يزال بإمكان المستكشفين العثور على بعض الآثار والأدوات المتعلقة بتعدين الذهب العثماني في عدد من البقع الجغرافية.
لا وجود للذهب
بدوره ينفي أستاذ علم الآثار في الجامعة الأردنية نزار الطرشان وجود دفائن وكنوز في المملكة، على رغم إصرار كثيرين على ذلك والبحث عنها بشغف وبطرق عشوائية غير مبنية على أسس علمية، مما يؤدي إلى وقوع إصابات وخسارة أرواح.
ويصف الطرشان الظاهرة بـ"البحث عن الوهم"، مطالباً من يعتقد بوجود ذهب في منطقة ما، بالتواصل مع دائرة الآثار العامة والجهات المختصة.
ولا يعد التنقيب عن الذهب محظوراً بحد ذاته، لكن يمكن البحث عنه في المملكة من خلال الاتصال بوزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية والهيئة الملكية لتطوير البادية والموارد الطبيعية للحصول على تراخيص محددة.
وتنظم عمليات التنقيب عن الذهب في الأردن بموجب القانون رقم 61 لسنة 1953 ولائحته التنفيذية، بحيث تحدد المناطق المخصصة للتنقيب عن المعدن الأصفر وشروط الحصول على تراخيص التنقيب.
وشكلت الظروف الاقتصادية الخانقة بيئة خصبة للحالمين بالثراء عبر التنقيب عن الدفائن والكنوز. ويتداول الباحثون عن الذهب في الأردن قصصاً وروايات تؤكد أن معظم هذه الدفائن مرصودة ومحروسة من قبل الجن، لكن آخرين ينفون ذلك ويتسلحون بمعدات وأجهزة حديثة تبدد مخاوفهم أملاً في ثراء قريب وسريع.
ويمارس أصحاب هذه المهنة الخطرة مهمتهم في الليل غالباً، وفق أصول معتمدة بينهم للبحث والنبش، واعتماداً على إشارات ومعالم محددة ترشدهم، لكن كثيراً منهم توقفوا عن ملاحقة حلمهم خشية أن يتحولوا بدورهم إلى "دفائن" بعد تسجيل عشرات الحوادث المميتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطورة لا تردعها القوانين
تفتقر سجلات مديرية الدفاع المدني إلى وجود إحصاءات رسمية حول عدد الوفيات والإصابات التي تلحق بالباحثين عن الدفائن، لكن التقديرات تشير إلى عشرات الحالات.
ويقول مراقبون إن الخطورة الناجمة عن عمليات البحث تعتمد على عوامل عدة مثل مكان البحث وطبيعة البيئة والظروف الجوية وكذلك على الطريقة والأدوات المستخدمة في عملية التنقيب.
ثمة قوانين وتشريعات تنظم عملية البحث وتضع شروطاً وضوابط لحماية المكان الذي يتم البحث فيه وللحفاظ على سلامة الباحثين والبيئة المحيطة.
كما تشترط الجهات الرسمية الحصول على التراخيص اللازمة قبل الشروع في العملية، إضافة إلى اتباع الإجراءات الوقائية والسلامة المعتمدة لتجنب الأخطار والأضرار المحتملة.
ويعاقب قانون الآثار الأردني في المادة 26 منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دولار بحق كل من قام بالتنقيب عن الآثار من دون الحصول على رخصة، أو تاجر بالآثار أو ساعد أو شارك أو تدخل أو حرض على ذلك.
كما يعاقب القانون كل من قام متعمداً بتجريف أو إتلاف أو تخريب أو تشويه أي آثار منقولة أو غير منقولة، ومن امتنع أو تخلف عن تسليم الآثار التي اكتشفها أو عثر عليها إلى دائرة الآثار العامة، سواء كان يحمل رخصة للتنقيب أو لا.
احتياط جيد
يتحدث البنك المركزي الأردني عن وجود نحو 43.5 طن من الذهب وتحتل المملكة المركز العاشر عربياً والـ 53 عالمياً في قائمة حيازة احتياط الذهب وبقيمة قدرت بنحو 4 مليارات دولار.
تعتبر عمان أن الآثار والدفائن والكنوز ثروة وطنية وحضارية، ووفقاً لقانون الآثار، فإن الكنوز والمعادن التي يعثر عليها في أرض مملوكة لشخص معين تكون مملوكة له وعليه الخمس للدولة.
أما الكنوز والمعادن التي تكتشف في أرض مملوكة للدولة تكون مملوكة لها كلها، لكن القانون ذاته يجرم قيام المواطن بأي حفريات في المواقع الأثرية بحثاً عن الدفائن الذهبية أو أي دفائن أخرى حتى لو كانت في أرضه الخاصة.
اعتداء على الآثار
يفسر رئيس جمعية الفسيفساء أحمد العمايرة اتساع ظاهرة البحث عن الذهب في المملكة بـ"تداول الإشاعات إضافة إلى الجهل وثقافة الثراء السريع والسهل"، ويعتقد بأن ما هو موجود دفائن وعملات قديمة وفخار، بخاصة أن الأردن يعتبر متحفاً مفتوحاً بسبب الحضارات التي مرت على تاريخه.
في حين يقول مدير دائرة الآثار بالوكالة يزيد عليان إن هذه الظاهرة تسببت بارتفاع عدد حالات الاعتداء على الآثار التاريخية في البلاد خلال الأعوام الأخيرة، لكنه لا ينكر وجود بعض القبور الرومانية التي ربما تحتوي على قطع ذهبية لأن ذلك كان مرتبطاً بثقافة دفن الموتى مع مقتنياتهم.