ملخص
يطلق اليمنيون والأجانب على اليمني عبدالله السالم علايه "رجل الكهف" لعيشه الطويل فيه، وأصبح رمزاً سياحياً يجذب أسلوب عيشه الفريد الزوار القادمين من مختلف دول العالم للجزيرة الفاتنة.
قد يحب أحدنا العيش في مسكن جميل وفخم، كقصر مشيد أو ناطحات سحاب تعانق الغيم أو في برج زجاجي عال أو حتى منزل متواضع، لكن أن يعشق شخص السكن في كهف كما كان يفعل الإنسان الأول، فإن ذلك يبدو مدهشاً وغريباً في هذا العصر.
اليمني عبدالله السالم علايه، أمضى أكثر من 60 سنة من حياته يعيش في كهف في مديرية قلنسية شمال غربي "أرخبيل سقطرى" ومع الطبيعة والبحر خلد أجمل ذكرياته، إنه يصطاد الأسماك ويرعى الأغنام ويجمع الحطب ويشعل النار بالأحجار، ومن كهفه أيضاً راقب تاريخ "جزيرة سقطرى"، كيف تغير؟
رمز الجزيرة الفاتنة
يطلق عليه اليمنيون والأجانب "رجل الكهف" لعيشه الطويل فيه، وأصبح رمزاً سياحياً يجذب أسلوب عيشه الفريد الزوار القادمين من مختلف دول العالم الذين يأتون لتجربة العيش البدائي في عذراء البلاد الفاتنة "سقطرى".
يزوره السياح في كهفه القابع في "محمية ديطوح"، ويلتقطون الصور التذكارية، يتبادلون الحديث معه فيقص عليهم حكايات ماتعة من تاريخ وأساطير الجزيرة المعروفة بغرابتها وتنوعها البيولوجي، ويصنع الطعام ويقدم لهم ضيافة مميزة من أكلات بحرية شهية وشاي فحم من صنع يده.
هدوء البحر وصخب المدينة
لا يرى علايه في الكهف مجرد مأوى فقط، "بل جنة على الأرض أجد فيها الراحة واطمئنان البال، لقد عاش أجدادي فيه من قبل واحداً تلو الآخر".
يرفض حياة المدن الصاخبة ويفضل العيش ببساطة وبما تجود عليه الطبيعة والبحر من رزق وطعام وشراب، نائياً بنفسه عن صخب الحياة وشواغل المجتمع "أتذكر ذات مرة سافرت من سقطرى إلى العاصمة صنعاء لإجراء عملية لابني المريض، لم يعجبني جو المدينة، تضايقت لأني بعيداً من البحر. سقطرى مثل أمي والبحر مصدر العيش لي".
صحة مثالية
لم يزر المستشفى يوماً في حياته مريضاً، فهو يتمتع بصحة جيدة ونفس هانئة، يتفاخر شاكراً "عمري 60 سنة ولم أذهب يوماً للعلاج في المستشفى بسبب المرض، أعيش كالطير لا يهمني غداء من عشاء، وأكلاتي المفضلة الأسماك والقواقع البحرية".
نمط سكن بدائي
كثيراً ما شكلت الكهوف والمغارات ملاذاً آمناً لإنسان سقطرى فتارة اتخذها للسكنى والعيش، وأخرى للدفاع والحماية عن الأرض من الغزو والاعتداء فارتبطت بهويته وتاريخه وتراثه وذاكرته الحسية المشتركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنتشر بالجزيرة كثير من الكهوف والمغارات الجبلية ويلجأ السكان إلى العيش والاحتماء بداخلها من الأعاصير في بعض أوقات السنة، خصوصاً خلال الفترة ما بين مايو (أيار) وأغسطس (آب)، إذ تتعرض لهبوب رياح شديدة جنوبية غربية وتتساقط الأمطار الغزيرة ويصبح البحر هائجاً.
ضحايا الطبيعة
حينما تسوء الأحوال الجوية يستدعي علايه أسرته من منطقة قلنسية للعيش معه في الكهف حفاظاً على سلامتهم ويروي "في عام 2015 بقيت أسرتي برفقتي تسعة أيام قبل أن تعود إلى القرية، وقتها حدث إعصاران ومات 10 أشخاص انقلبت سفنهم بسبب أمواج البحر العاتية".
منذ مئات السنين
وفقاً لموقع "حلم أخضر" المتخصص في قضايا البيئة فإنه "يوجد في الأرخبيل 52 كهفاً وعدد من المغارات أبرزها (حوق) شرقا والمصنف كأطول كهف في منطقة الشرق الأوسط، بـ13.5 كيلومتر، ويمكن للسيارة الوصول إلى مغارة "دي جب" في سهل نوجد (جنوب) والتحرك فيها بسهولة ذهاباً وإياباً.
التاريخ من الكهف
يقول علايه، قبل 50 سنة، أي في سبعينيات القرن الماضي كان معظم سكان الجزيرة يعيشون في الكهوف، لكن الوضع تغير بعد ذلك واتجه الناس نحو بناء المنازل بدلاً من العيش في فتحات الجبال والمغارات.
يضيف "تحضر السكان لكني بقيت في الكهف، كبرت فيه وترعرعت مع الطبيعة والحيوانات والأسماك والسلاحف والأحياء البحرية، وأصبحت كأصدقائي المقربين. أما الطعام فكنا نأكل التمر ونصطاد الأسماك والقواقع والمحار والأحياء البحرية من البحيرة، ونحتفظ بحبوب الذرة ونطبخها، ولم تكن المواد الغذائية متوفرة، ولا يوجد دقيق ولا سكر ولا أرز، كما هي حالنا الآن".
صائد اللغات
يتقن رجل الكهف اللغة العربية واكتسب إلى جانبها بعض اللغات الأجنبية بفعل احتكاكه المستمر بالسياح الوافدين "في كل شهر كنت أصطاد كلمتين أو ثلاثاً من أفواههم وأحتفظ بها في ذاكرتي، وعندما أصادف سياحاً من الدولة نفسها أتكلم معهم بالكلمات نفسها فيتعجبون"، مضيفاً "أتحدث الإنجليزية بطلاقة أما الروسية والإيطالية والبولندية فأحفظ قليلاً من مفرداتها".
بابتسامة يقول "في البداية كانوا يضحكون، والآن أقص على من يأتي لزيارتي بعض المواقف المرحة التي تعرضت لها في بداية احتكاكي بالأجانب فيضحكون أيضاً".
تنوع حيوي
سماها اليونانيون والرومان قديماً "جزيرة السعادة"، وصنفتها صحيفة "نيويورك تايمز" كأجمل جزيرة في العالم عام 2010. تعد أكبر جزيرة عربية، وتقع في الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية أمام مدينة المكلا شرق خليج عدن، حيث نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب وإلى الشرق من القرن الأفريقي، وتبعد بنحو 350 كيلومتراً عن السواحل الجنوبية للبلاد.
وصفها وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان بـ"تفاحة اليمن الأجمل"، وموطن شجرة دم الأخوين، إذ تحتضن مستوى فريداً وغير مألوف من التنوع الحيوي، ونظراً إلى أهميتها البيولوجية أدرجتها "اليونيسكو" في مواقع التراث العالمي عام 2008.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013 أصبحت محافظة أرخبيل سقطرى مستقلة عن حضرموت، ويضم أرخبيلها ست جزر، وتبلغ مساحتها 3650 كيلومترا مربعاً وعاصمتها مدينة حديبو. ويسكنها نحو 175 ألف نسمة. وفي التاريخ القديم ارتبط اسمها بالسلع الروحية المقدسة كاللبان والبخور.
ويوثق مصور من سقطرى يدعى عبدالله، جمال الطبيعة الخلابة في عذراء البلاد الفاتنة بقوله "تستثيرك الدهشة وأنت تسافر في كون عجيب غريب فلا تسمع إلا حفيف الأشجار وهزيز الرياح وتغاريد الطيور، أما العين فلا ترى إلا الأفلاج والشطآن والنخل الباسق المتحد اخضراراً بزرقة السماء والرمال الذهبية التي تعزف لحنها للشمس".