راشد الغنوشي.. القيادي الإسلامي المثير للجدل وثمن أخطاء السياسة

منذ 1 سنة 124

لعب رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، الذي تم توقيفه الإثنين، طويلاً دور صانع الرؤساء بعد "الربيع العربي" في تونس، لكن صورته تشوّهت بفعل الممارسة السياسية، وباتت شريحة واسعة من التونسيين تحمّله مسؤولية مشاكل كثيرة آلت إليها البلاد في السنوات الأخيرة.

وأوقفت السلطات التونسية الغنوشي (81 عاماً) يوم الإثنين في منزله مع موعد الإفطار في شهر رمضان غداة تصريحات قال فيها إنّ "هناك إعاقة فكرية وإيديولوجية في تونس تؤسّس لحرب أهلية". وأضاف "لا تصوّر لتونس بدون طرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة".

تحالفات متناقضة

يعتبر راشد الغنوشي أبرز معارض، إن لم يكن أشدهم، للرئيس قيس سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ العام 2021 ويتهمه "بالمنقلب على ثورة 2011" التي أطاحت بنظام دكتاتوري.

وسعى الغنوشي، الذي تجمعه علاقات متطورة مع قطر وتركيا، إلى أن يكو حاضرا في السلطة منذ 2011، وإلى أن يكون حزبه ورقة أساسية في كل التحالفات السياسية التي تتولى السلطة في البلاد. 

وكان كذلك حليفاً مع الحزب الليبيرالي "قلب تونس" الذي يترأسه رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، المُلاحق قضائياً في تهم فساد وتبييض أموال. كما كان  الغنوشي داعماً للرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي، في إطار ما عرف "بسياسة التوافق" لتأمين مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد.

لكنه اصطدم بسعيد الذي علّق في تموز/يوليو 2021 البرلمان الذي كان يرأسه، وأقال الحكومة المدعومة من النهضة واحتكر السلطات. وكان الغنوشي طالب أنصاره في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية في العام 2019، بالتصويت بكثافة لصالح قيس سعيّد الذي فاز بغالبية كبرى أمام منافسه آنذاك رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي.

"النبي الجديد"

في بداية نشاطه السياسي في السبعينات، كان الغنوشي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، ثم تبنى فكر الإخوان المسلمين، ليدعم لاحقا النموذج الإسلامي التركي بقيادة رجب طيب إردوغان. ومنذ العام 2016، أعلن أن حزبه أصبح مدنياً، وبدأ يقدّم نفسه على أنه "مسلم ديموقراطي" ويدافع عن بعض الأفكار المحافظة.

وبعد عشرين عاماً في منفاه في لندن، عاد الغنوشي بعد سقوط نظام بن علي، وانهالت دموعه، حين استقبله آنذاك الآلاف من أنصار حزبه منشدين: "طلع البدر علينا".

"الشيخ"، كما يلقبه أنصاره، أُنتقد لغموض مواقفه تجاه تصاعد وتنامي المجموعات الجهادية إثر الثورة، وحمّله معارضوه مسؤولية صعود تيار السلفية الجهادية في تونس، خصوصاً بعدما أدلى بتصريح صحافي في 2012 قال فيه إن "معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن"، قبل أن يعلن لاحقا أن "هؤلاء الناس يمثلون خطراً، ليس على (حركة) النهضة فقط بل على الحريات العامة".

"سياسي متلون"

ويعتبر الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد في حين يرى فيه آخرون سياسياً براغماتياً متلوناً مستعداً للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في السلطة. لكن التقلبات في مواقفه تسببت في تصدّع فريقه، وأخذ بعض أنصاره عليه أنه دعم قانوناً مثيراً للجدل، كان يقترح العفو عن مسؤولين متهمين بالفساد في عهد بن علي.

ومثُل العام الماضي أمام قضاة التحقيق، في إطار تحقيقات مختلفة وتهم وُجهت له تتعلق بالفساد والإرهاب. لكنه ومع كل نهاية ساعات التحقيق الطويلة، كان يخرج من مكاتب القضاة مبتسماً رافعاً شعار النصر ومنتقداً "تطويع الرئيس للقضاء لتصفية خصومه السياسيين". ولا زل البعض يرون أن تراجع شعبيته سببه حملة تشويه طالته من النظام القائم.

وواجه الغنوشي منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب ضده، وكذلك من قيادات داخل حزبه، دعته للتنحي عن السياسة وفسح المجال للقيادات الشابة في الحزب، وهو أمر لم يستجب له.

تشبث بالمنصب

ولد راشد الغنوشي واسمه الحقيقي راشد الخريجي في منطقة الحامة من محافظة قابس (جنوب) في عائلة متواضعة ودرس الشريعة ثم الفلسفة في القاهرة ودمشق. عاد إلى تونس نهاية الستينات، وبعدها أسّس حزب "الاتجاه الاسلامي" عام 1981، ليغيّر تسميته في عام 1989 إلى "حركة النهضة" خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

حُكم عليه بالإعدام خلال نظام لحبيب بورقيبة، وعفا عنه بن علي في العام 1987، لكن تمت ملاحقته قضائيا، ولذلك قرّر اللجوء إلى الجزائر ثم بريطانيا في العام 1991.

انتهت ولايته الثانية على رأس الحزب في العام 2020 وطالبه العديد من القياديين بأن يتخلى عن منصبه قبل مؤتمر الحزب العام المرتقب في 2021. وترك بعضهم الحزب بعد رفضه.