رؤية خلاقة ودبلوماسية بارعة

منذ 1 سنة 308

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، راكم نجاحات لافتة على مدى أكثر من عشر سنوات حين تولى الملك سلمان ولاية العهد إبان عهد الملك عبد الله رحمه الله. بأسلوبه الفريد فكك أزمات المنطقة وقاد تحالفاً دولياً لدحر الإرهاب ووقف التطرف. في مجموعة العشرين قدم أنموذجاً للتطور يحاكي الدول العظمى، حتى أضحت المملكة العربية السعودية تقود العالم في عدة حقول. أهمها على الإطلاق الطاقة بكل تجلياتها.

خطة العمل الطموح «رؤية 2030» التي وضعها ويشرف على تنفيذها الأمير محمد بن سلمان، حققت نجاحات لافتة. وهي خطة اقتصادية اجتماعية ثقافية سياسية شاملة للسعودية تؤسس لدخول المملكة إلى عصر ما بعد النفط. تتزامن الرؤية مع التاريخ المحدّد لإعلان الانتهاء من تسليم ثمانين مشروعاً حكومياً عملاقاً، مثل إنشاء مدينة نيوم أو القدية، وبوابة الدرعية، إضافة إلى طرح جزء من شركة أرامكو العملاقة للاكتتاب العام.

وبعد الإعلان عن الرؤية، قدّم الأمير محمد بن سلمان، عن طريق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كلا من برنامج التحول الوطني وبرنامج تحقيق التوازن المالي، إذ يُعَدُّ كل منهما من ركائز الرؤية، وقد وافق مجلس الوزراء السعودي على البرنامجين.

يهدف الأمير محمد بن سلمان من خلال هذه الخطة، والبرامج المتصلة بها، إلى زيادة الإيرادات غير النفطية السعودية. كما أنّه يريد بهذه الرؤية أن يجعل الاستثمار في الداخل السعودي منطقة لإيجاد المزيد من الفرص الوظيفية والاقتصادية في السعودية. ووضع الأمير محمد بن سلمان ثلاثة أركان للرؤية السعودية، لتكون بمثابة عوامل نجاحها إذا ما ارتكزت الرؤية عليها:

الأوّل: هو أن السعودية هي العمق العربي والإسلامي، إذ يوجد بها المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، اللذان يعدان أهم الأماكن المقدسة عند المسلمين، وبذلك هي قبلة أكثر من 1.8 مليار مسلم على وجه الأرض، ويجب أن ترتكز الرؤية على هذا العامل؛ لما فيه من أثر روحاني.

الثاني: القدرات الاستثمارية الضخمة للمملكة يجب أن تكون محركاً لاقتصاد المملكة ومورداً إضافياً لها، وبهذه القدرات تهدف الرؤية إلى أن تصنع من السعودية قوة استثمارية رائدة. ونرى ذلك جلياً فيما حققته استثمارات الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة).

الثالث: الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسعودية، وما يحيط بها من معابر مائية مهمة - مضيق هرمز في الشرق، مضيق باب المندب في الجنوب الغربي، قناة السويس في الشمال الغربي - تجعل من المملكة أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث. ومفهوم الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك مصطلح ينطبق في المقام الأول على تأثير الجغرافيا على السياسة. ولكنه تطور ليستخدم على مدى القرن الماضي ليشمل دلالات أوسع، وهو يشير تقليدياً إلى الروابط والعلاقات السببية بين السلطة السياسية والحيز الجغرافي، في شروط محددة. لذلك أصبح هذا المفهوم من عوامل القوة والتأثير في العلاقات الدولية.

بذكاء وحنكة يحرك ولي العهد السعودي دبلوماسية بلاده في اتجاه يخدم مصالح المنطقة والعالم، مدركاً بخياله السياسي الواسع أن الأمن والاستقرار يحققان النمو والرخاء. لذلك رفع شعار «تصفير المشاكل» في المنطقة، بما فيها القضية الفلسطينية التي طالما حرصت المملكة على إيجاد حل سلمي لها، وقدمت خططاً ومبادرات لهذا الغرض، أبرزها على الإطلاق مبادرتان للسلام في إطار (حل الدولتين)، الأولى تعرف باسم عرابها الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، واعتمدها العرب في قمة فاس 1981، والثانية باسم الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، واعتمدها العرب أيضا في قمة بيروت 2002.

القمة العربية العادية القادمة ستكون في مدينة جدة يوم 19 مايو (أيار) الحالي، هل ستكون قمة (جدة غير) كما يحلو لأهل جدة تسميتها؟ سيبذل الأمير محمد بن سلمان كل جهد ممكن لتحقيق إنجاز يشرف مؤسسة القمة، ويعود بالنفع على المنطقة والعالم. ويقوم رئيس الدبلوماسية السعودية ووزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان بالتنقل برشاقة بين عواصم العالم لنقل رسائل ولي العهد عن المحبة والسلام، ممهداً لنجاح غير مسبوق لهذه القمة. وبالفعل بدأنا نلمح طلائع هذا النجاح بعودة سوريا للحضن العربي، وحل مشكلة الصراع بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع.