«رؤية 2023»: النجاح ممكن رغم التحديات الهائلة

منذ 1 سنة 151

هذا العام تمر 5 سنوات على تدشين منظمة الصحة العالمية رؤيتها الجديدة لإقليم شرق المتوسط. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2018، أطلق المكتبُ الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط هذه الرؤية الإقليمية الخمْسية، بوصفها دعوة طموح للعمل والتضامن في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط لتحقيق «الصحة للجميع وبالجميع». ومع أن هذا الهدف النهائي لم يتحقق بعدُ، إلا أن الرؤية الإقليمية أحرزت نجاحاً في مواجهة الشدائد.

ولتسريع وتيرة التقدم المُحرز بشأن تحقيق الأهداف الإقليمية والعالمية ذات الصلة بالصحة، حددت «رؤية 2023» أربع أولويات استراتيجية، هي: توسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة؛ والتصدي للطوارئ الصحية؛ وتعزيز صحة السكان؛ وإجراء تغييرات تحويلية في المنظمة. وقد وضع المكتب الإقليمي هذه الرؤية في ظل تشاور مكثف مع الحكومات الوطنية وجهات أخرى من أصحاب المصلحة. وفي عام 2019، رُسِمت استراتيجية إقليمية لدعم العمل بشأن الأولويات الاستراتيجية.

وقد أظهرت السنوات الأخيرة أنه بالإمكان تحقيق مكاسب صحية كبيرة في الكثير من الأوضاع الصحية. فمنذ عام 2010، انخفضت وفيات الأطفال دون سن الخامسة لأكثر من 10 حالات لكل 1000 ولادة حية في أفغانستان، وجيبوتي وجمهورية إيران الإسلامية، والمغرب، وباكستان، والصومال، والسودان؛ وانخفضت الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية لأكثر من 15 في المائة في عُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية؛ وارتفع مؤشر التغطية الصحية الشاملة، الذي يقيس التغطية بالخدمات الصحية، بما يساوي 10 نقاط أو أكثر في مصر، وجمهورية إيران الإسلامية، وقطر.

ومع ذلك وبشكل عام، لا يزال التقدم المُحرَز محدوداً، ولا يسير الإقليم على الدرب الصحيح إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، التي تعد التزامات عالمية يجب على كل بلد الوفاء بها من أجل مستقبل يسوده السلامُ والازدهارُ.

وثَمة تفاوتات كبيرة في الدخلِ، وقدرات النُّظُم الصحية في بلدان الإقليم وأراضيه الاثنين والعشرين ذاتها، وفيما بينها. ولا تزال الأمراض المُعدية والمزمنة تسبب مراضة ووفيات كان بالإمكان تجنبها، باتباع سياسات صحية وتوفير رعاية صحية أكثر فاعلية. وقد واجه الإقليم بالفعل نطاقاً ضخماً من الطوارئ الصحية والإنسانية في عام 2018، وقت تدشين تلك الرؤية الإقليمية الخمْسية، إلا أن هذا النطاق تزايد منذ ذلك الحين.

فلقد تفاقمت جميع هذه التحديات عندما حدثت حالة الطوارئ الناجمة عن «كوفيد - 19»، ومع ذلك أبرزت تلك الجائحة العالمية أن الاستثمارَ في بناء نُظُم صحية قادرة على الصمود أمرٌ ضروري لضمان الأمن الصحي العالمي. وقد أظهرت سرعة الاستجابة ونطاقها للجائحة أن النجاحَ أمر ممكن إذا ما توفر التزام سياسي قوي وقيادة فعالة.

أبرز أحداث السنوات الخمس الماضية

اكتسبت الجهود الرامية إلى توسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة زخماً إضافياً في عام 2018، عندما وقَّع كل بلد وأرضٍ في الإقليم على الاتفاق العالمي بشأن التغطية الصحية الشاملة 2030، وأقرَّ «إعلان صلالة» بشأن التغطية الصحية الشاملة 2018، وقد تعاونت المنظمة مع البلدان على تحسين كل جانب من جوانب نظمها الصحية -بدءاً من الحوكمة والتمويل، ووصولاً إلى قدرات القوى العاملة الصحية، وإمكانية الحصول على الأدوية، وتقديم الخدمات وإشراك أفراد المجتمع الإشراك الفاعل ونشر ثقافة الصحة في جميع السياسات.

وتماشياً مع الرؤية والاستراتيجية الإقليميتين، شُجِّعت البلدان على اتّباع نهج الخدمات الصحية المتكاملة التي تركز على الناس. وثَمة الكثير من المبادرات الرائدة، منها مثلاً تدشين دبلوم مهني إقليمي في طب الأسرة لسد النقص المزمن في ممارسي طب الأسرة في الإقليم؛ واستحداث أطر عمل إقليمية لتوجيه المشاركة الاستراتيجية مع القطاع الخاص وتحسين إدماج المستشفيات في النظم الصحية؛ وإعداد أدوات لتعزيز سلامة المرضى والجودة العامة للرعاية في كل من المستشفيات ومواقع الرعاية الصحية الأولية.

ورغم أن حالة الطوارئ التي نجمت عن «كوفيد - 19» تسببت في وقف الكثير من البرامج الأساسية، ومنها برامج التمنيع الوطنية وخدمات مكافحة فيروس العوز المناعي البشري والسل والملاريا، فإن المنظمة تعاونت مع الكثير من البلدان للقضاء على بعض الأمراض السارية. ويُثبت التخلصُ من داء الفيلاريات الليمفي في اليمن عام 2019 أن النجاحَ ممكن حتى في البلدان التي تواجه تحديات بالغة الصعوبة. وللتصدي لانخفاض معدلات التطعيم، الذي أدى إلى فاشيّات كبرى تهدد الحياة، تعكف المنظمة على وضع إطار إقليمي لتنفيذ خطة التمنيع العالمية لعام 2030.

وخلال فترة «رؤية 2023»، واجه الإقليم حالات طوارئ على نطاق غير مسبوق. وشهد نصف بلدانه وأراضيه صراعات ممتدة مستمرة، أو أعمال عنف متفرقة. ووقعت 166 فاشية أمراض، منها «كوفيد - 19» وكذلك تعرضت بلدان كثيرة لكوارث طبيعية كبرى، وكوارث تكنولوجية، وتدهور اقتصادي حاد، وفقر. وعلاوة على ذلك، فإن إقليمنا هو الإقليم الوحيد، من بين أقاليم المنظمة، الذي لا يزال يتوطن به فيروس شلل الأطفال البري. وفي عام 2022، احتاج 127 مليون شخص في الإقليم إلى مساعدات إنسانية، ويفوق هذا الرقم ضعف العدد الذي احتاج إلى مساعدات إنسانية في عام 2018، خلال فترة السنوات الخمس اعتباراً من عام 2018، وثّقت منظمة الصحة العالمية 166 فاشية مَرضية جديدة (بما في ذلك كوفيد - 19) في جميع أنحاء الإقليم واستجابت لها، بمتوسط 33 فاشية سنوياً، منها 47 فاشية في عام 2018 و45 فاشية في عام 2022، وزاد عدد حالات الطوارئ المصنفة التي تتطلب استجابةً عملياتية من منظمة الصحة العالمية بأكثر من الضعف من 10 طوارئ عام 2017 إلى 22 طارئة عام 2022.

ولمواجهة هذه التحديات، صارت المنظمة أكثر مرونة في جميع مراحل دورة تدبير شؤون الطوارئ. ووُضِع إطار استراتيجي إقليمي لتعزيز الوقاية من الأمراض المستجدة والأمراض المُعْدِية التي يمكن أن تتحول إلى أوبئة، ومكافحتها. وفي حين أن القدرات الأساسية على المستوى القُطري لا تزال أقل بكثير من متطلبات اللوائح الصحية الدولية (2005)، فإنه بحلول عام 2023 كان كل بلد وأرض في الإقليم قد أنشأ فِرق الاستجابة السريعة، بالإضافة إلى أمور أخرى. وارتفع عدد المختبرات المزوَّدة بقدرات في مجال إجراء تفاعل البوليمرات المتسلسل ارتفاعاً شديداً، فوصل إلى أكثر من 2500 مختبر، بعد أن كان أقل من 30 مختبراً، وساعدت المنظمة على تدريب أكثر من 50000 عامل صحي.

وفي الوقت نفسه، أرسل مركز الإمدادات اللوجيستية التابع للمنظمة في دبي أكثر من 1500 شحنة إلى 137 بلداً وأرضاً في جميع أقاليم المنظمة الستة بين عامي 2018 و2022. في عام 2017 قدمنا من خلال المركز إمدادات طبية بقيمة 7 ملايين دولار أميركي؛ وفي ذروة الجائحة في عام 2020، قدمت إمدادات طبية بقيمة 60 مليون دولار أميركي تقريباً.

وساعدت هذه الجهود أن تأتي التقييمات الخارجية لعمل المنظمة في بعض الأزمات الأطول أمداً في الإقليم إيجابية للغاية.

لقد جعلت «رؤية 2023» تعزيز الصحة أولوية متقدمة على مدى السنوات الخمس المنقضية. وفي صميم هذا العمل، جاءت مبادرات رائدة للتصدِّي لأوجه الإجحاف في المحددات الاجتماعية للصحة. وقد توسعت الشبكة الإقليمية للمدن الصحية توسعاً كبيراً، من 64 مدينة في 11 بلداً في عام 2019، إلى 110 مدن في 15 بلداً في عام 2023، كما قُدِّم الدعم للبلدان للاستثمار في تدابير أثبتت فاعليتها من حيث التكاليف، وأنها أفضل الوسائل في مجال الأمراض غير السارية. وعلى الرغم مما تحقق من تقدم مشجع، لا يزال هناك الكثير لفعله. ولزيادة الأثر الإيجابي للمنظمة، استُحدثت تغييرات واسعة النطاق على هيكلها وعملياتها، واستفادت من مختلف الشراكات الاستراتيجية وتولّت قيادتها. وأُنشئ التحالف الصحي الإقليمي لجمع وتوجيه الجهود المشتركة التي تبذلها 16 وكالة من وكالات الأمم المتحدة، لدعم التقدم الإقليمي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة.

وتُرسي هذه النجاحات «رؤية 2023» بوصفها إرثاً يمكن البناء عليه. وبينما تشارف مدة ولايتي في منصبي مديراً إقليمياً على الانتهاء، فإن اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط سوف تُسمي من سيخلفني. وأرجو لمن سيتولى المنصب كل النجاحِ، وأُعرب عن أملي في توسيع نطاق الرؤية الإقليمية لفترة ولاية ثانية، للمضيّ قدماً في جهودنا الجماعية لتحقيق الهدف النهائي المتمثل في «الصحة للجميع وبالجميع».

* مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط