رأي.. ناصر بن حسن الشيخ يكتب لـCNN عن أجندة دبي الاقتصادية 2033: واقع أم خيال؟

منذ 1 سنة 1180

هذا المقال بقلم ناصر بن حسن الشيخ، اقتصادي إماراتي، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

أزاحت دبي مؤخرًا الستار عن أجندة دبي الاقتصادية 2033 (D33) التي حددت مستهدفات واضحة المعالم ترسم ملامح التوجه الاقتصادي للإمارة خلال العقد القادم، توجه واضح يستهدي به القطاع الخاص ورؤوس الأموال لمعرفة أين تكمن الفرص التجارية الواعدة في المستقبل القريب، ولم تخرج دبي في ذلك عن عادتها باستفزاز بعض العقول التي سارعت للتشكيك في واقعية الأجندة.

فتولدت بعض ردات الفعل الشبيهة بتلك التي ادعت في السبعينيات أن ميناء جبل علي سيكون "أكبر حوض سباحة في العالم"! أو تلك التي لم تستوعب كيف لشركة ناشئة كطيران الإمارات أن تؤكد طلبية طائرات جديدة بمليارات الدولارات في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وانهيار قطاع الطيران برمته، أو كيف لها في 2002 أن تؤسس مركزا عالميا في قطاع مالي تسيدها الغرب والشرق!

أصوات لا تدرك حتى اليوم كيف لتلك المدينة الخليجية الصغيرة على ضفاف الخليج أن تصبح ثاني أكثر مدينة تزار عالميا في 2022 بحسب يورومونيتور، وكيف لها أن تحتضن أكثر مطار ازدحاما بالمسافرين الدوليين في المعمورة، أو لماذا تتحامل على نفسها في خضم الأزمة المالية العالمية لتنهي إنشاء قطار مترو أصبح بعد نجاحه متطلبا أساسيا لأي مدينة عصرية إقليميا.

أحد أبرز مستهدفات D33 كانت مضاعفة الناتج المحلي للإمارة خلال 10 سنوات، وهنا نستذكر أن ناتج دبي المحلي هو جزء من الناتج المحلي لكيان أكبر اسمه دولة الإمارات، وهي مكون مهم فيه كون تجارة دبي الخارجية غير النفطية مثلت حوالي 75٪ من إجمالي تجارة الإمارات الخارجية غير النفطية في 2021، ومع ذلك يتأسس الترابط الوثيق ما بين اقتصادي الدولة والإمارة.

وباستحضار الأداء التاريخي فقد تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 52 مليار دولار في 1992 إلى 109 مليار دولار في 2002، ونما منذ 2002 بأكثر من ضعف ونصف ليصل إلى 374 مليار دولار في 2012، لذا فمضاعفة حجم الاقتصاد له سوابق محلية مثبتة مما دعا الدولة في 2021 لإعلان استهدافها مضاعفة ناتجها المحلي بحلول 2031، لذا ندرك منطقية ومعقولية أن تستهدف دبي مضاعفة حجم اقتصادها خلال العقد القادم.

مستهدف آخر كان دمج 65,000 مواطن للعمل في القطاع الخاص. قد يبدو الرقم مهولا للوهلة الأولى كونه يمثل 23٪ من تعداد مواطني الإمارة في 2021 بحسب مركز دبي للإحصاء، إلا أن المدة الزمنية هي 10 سنوات.. مما يعني متوسط 6,500 مواطن في العام الواحد، وحيث أن البرنامج الاتحادي "نافس" نجح في توظيف 28,700 مواطن في القطاع الخاص الإماراتي خلال عام واحد فقط فمستهدف الإمارة يبدو معقولا جدا، بل إني أراها تحققه فيما لا يزيد عن 7 أعوام.

وهناك أيضا مستهدف رفع الإنفاق الحكومي من 512 مليار درهم في العقد السابق إلى 700 مليار درهم العقد القادم، أي متوسط 70 مليار درهم للعام الواحد، الزيادة ستأتي مطردة بمعنى أنها ستزيد من عام لآخر، وقد دشنت دبي الزيادة عبر رفعها الإنفاق في الميزانية العامة من 59.95 مليار درهم في 2022 إلى 67.5 مليار درهم في 2023، وحينها يتبادر سؤال من أين لها الإيرادات اللازمة التي تمكنها من زيادة النفقات من دون الدخول في عجز مالي؟

هناك 3 عوامل أساسية ساهمت في إعادة هيكلة إيرادات حكومة دبي وعظمت مستوياتها. الأول يتمثل في ارتفاع وتيرة الأداء الاقتصادي في أعقاب الجائحة الذي ارتفعت معه الإيرادات، فإن سلطنا الضوء على بند واحد على سبيل المثال كرسم التسجيل العقاري يتضح أنه قد نما ليصل 10.6 مليار درهم في 2022، ذلك بفضل نمو قيمة المبايعات العقارية في الإمارة بنسبة 76٪ عن العام السابق، متخطية مستوى 265.5 مليار درهم لأول مرة في تاريخها.

أما العامل الثاني فهو برنامج تحويل بعض النشاطات الحكومية والشركات المرتبطة بالحكومة إلى شركات مساهمة عامة، الدافع الرئيسي وراء البرنامج الذي أطلقته دبي في 2022 كان تعظيم حجم سوقها المالي وزيادة عمقه عبر إضافة إدراجات في قطاعات جديدة، إلا أن أثره الجانبي كان استفادة الحكومة من تدفقات نقدية كبيرة بلغت مليارات الدراهم منحتها سيولة عالية تصب في تعزيز موقفها المالي.

والعامل الثالث هو تنامي الإيرادات الضريبية للحكومة في السنوات الأخيرة، فهي بعكس الرسوم والغرامات إيرادات مستقرة مستدامة تنمو باطراد مع نمو الاقتصاد، وقد بان أثرها بشكل واضح منذ أن طُبِّقَت ضريبة القيمة المضافة في مطلع 2018، حيث ارتفعت مساهمتها للإيرادات العامة من 16.51٪ في 2017 إلى 30.47٪ في 2021، ومع تطبيق ضريبة أرباح الشركات في منتصف 2023، فإن الإيرادات الضريبة مقبلة على طفرة كون دبي هي الحاضن الأكبر للشركات في الدولة.

لا مجال هنا لسرد كل الشواهد واستعراض جميع مستهدفات D33، لكن الثابت هو أن دبي تعلن ومن ثم تعمل وتنجز، هي "لا تنافس إلا نفسها" كما أتى على لسان حاكمها مؤخرا، لذا كلما بلغت المدينة قمة طوت صفحتها وعملت على مستهدفاتها التالية، ويتضح ذلك جليا عندما يستعرض المرء مسيرة دبي بتجرد تام من أية دوافع عاطفية.

إن أمد الله في أعمارنا 10 أعوام ستكون لنا عودة للموضوع.. وحينها في تقديري سنحلل كيف تمكنت دبي من تحقيق معظم مستهدفاتها في أقل من المدة الزمنية المعلنة!