رأي.. بشار جرار يكتب عن هدنة "عيد الشكر": قيام لبنان وسلام إسرائيل

منذ 3 ساعة 12

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

يراه "اتفاقا دائما" ويرونه "تعليقا موقوتا مشروطا للقتال". هذا هو الفارق الجلي في تصريحات النهار الأول من الستين يوما التي حددها الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله، بوساطة المبعوث الأمريكي آموس هوكستين الذي يتقدم بخطى واثقة نحو ثاني ترسيم حدودي في عامين بين دولتي لبنان وإسرائيل هذه المرة بريا، بعد أن تم الترسيم البحري بمعرفة ومباركة أمين عام الحزب الراحل حسن نصرالله الذي قضى بقصف طال أيضا في وقت لاحق خلفه في أمانة الحزب وابن خالته وصهر الجنرال الإيراني قاسم سليماني وخليله، هاشم صفي الدين وثلاثة صفوف من القيادات السياسية والعسكرية للمليشيات التي كانت تعد درة التاج لنظام ملالي إيران، الذي صار موضع تشكيك بلغ حد القدح والذم والشتم على منصات التواصل الاجتماعي على لسان بعض أهالي ما كان يعتبر الحاضنة الشعبية لحزب الله والتنظيمات القريبة من إيران وسوريا على امتداد التراب اللبناني، لا حارة حريك والضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، بل وجنوب لبنان وشرقه حيث جبل عامل وسهل بعلبك، المعقل التاريخي لشيعة لبنان خاصة أولئك الذين تمتد جذورهم القبلية إلى بلاد الشام والرافدين وأجزاء من شبه الجزيرة العربية.

ما كاد حبر الاتفاق يجف وتدخل الهدنة حيز التنفيذ صباح الأربعاء، حتى أصدر الحزب بيانا زعم فيه النصر! وما كان ليحدث هذا الكلام أي فارق بالنسبة للمراقب المختص، لولا تضمين الصياغة الحماسية إشارات لا تبشر بالخير على الأقل في نظر من يرون فيه تأسيسا لاتفاق مماثل مع حماس، أو دائم لأي من الساحات التي نجحت إسرائيل في تفكيكها وتحييدها عسكريا وسياسيا، على الأقل كما جاء في مضمون كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن بعد الرئيس الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، ضامنا الاتفاق دوليا.

وقد تزامن ذلك بعودة التوتر إلى ريف حلب وإدلب والغموض الذي يغلف مصير مكتب ممثل حماس في لبنان أسامة حمدان، فهل عادت إيران للعبة الشد والرخي بعد "شالوم" جواد ظريف ليهود العالم بمناسبة الأعياد اليهودية؟

تسخين الأرضية لمواجهة وشيكة في سوريا وربما العراق الذي قالت بعض ميلشياته إنها لن تلتزم باتفاق هوكستين حتى لو هادن حزب الله، لا يمكن أن يتم دون ثلاثة أطراف إقليمية هي الجوار التركي والراعي الإقليمي إيران، وإسرائيل التي حذرت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رئيس سوريا بشار الأسد من "اللعب بالنار"..

المطمئن أن تركيا هي التي ألقت القبض على قتلة المواطن المولدوفي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية الحاخام المرموق من طائفة حاباد اليهودية تسفي كوغان بعد فرار الخلية الأوزبكية من الإمارات إلى اسطنبول. البيان الرسمي الإماراتي تحدث عن "طرف ثالث" دون ذكر اسم البلد لكن الصحافة الإسرائيلية والدولية أشارت إلى الاستخبارات والأمن والشرطة التركية التي من الجليّ أنها قادرة على إحداث فارق في ملفي الشمال السوري وربما صفقة تبادلية مع حماس كما ألمح بذلك الرئيس جو بايدن عندما ذكر تركيا ومصر وقطر كأطراف يعمل معها لوقف النار في غزة في أقرب وقت ممكن، وقد كان بالفعل اليوم التالي للاتفاق اللبناني-الإسرائيلي، الأربعاء.

منذ السابع من أكتوبر 2023 تبيّن أن الأحداث خرجت عن سيطرة أطرافها أو لاعبيها المباشرين، وعادت لتطرح نفسها إقليميا ودوليا، حيث تستأنف القوى الدولية ممارسة نفوذها لليوم التالي الذي قال بايدن إنه سيكون بلا حماس. فيما ترك الباب الدوار "رِفولفِنغ دور" أمام حزب الله ليصبح كما علاقة الجيش الجمهوري الإيرلندي بالشين فين (جناحه السياسي) على أمل إبرام اتفاق "جمعة عظيمة" في الشرق الأوسط على غرار النجاح الدبلوماسي الأمريكي التاريخي في تسوية القضية الإيرلندية، وكذلك انهاء الحرب الأهلية والإبادة الإثنية بين الصرب والكروات والبوسنيين، بموجب معاهدة ديتون للسلام.

أمن وسلام إسرائيل -ليس فقط جبهتها الشمالية- لن يتحقق إلا بقيام لبنان عبر استعادة سيادته كدولة أولا ومن ثم أمنه وسلامه وهويته كـ "سويسرا الشرق". تلك قناعة قد تكون من مؤشراتها العودة إلى حدود وذهنية الهدنة عام 1949 البعيدة كل البعد عن ذهنية "طوفان الأقصى" ومن قبل "يوم القدس" كما زعم الحرس الثوري الإيراني والخميني وخامئني ونشر موتها وخرابها في أربع ساحات عربية.

على هذه "الهدنة" يتوقف الكثير ربما هو مفترق الطرق الأخير قبل انطلاق الولاية الثانية لدونالد ترامب بفريق مكتظ بالصقور خاصة فيما يخص الموقف من إيران وإسرائيل..