رأي.. بشار جرار يكتب عن "الصبر الاستراتيجي" لإيران بعد كل "ضربة إسرائيلية": لا بالنقاط ولا بالضربة القاضية!

منذ 7 أشهر 79

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لا هذه ولا تلك، حتى ساعة كتابة هذه السطور. هو تعبير ورد على لسان أهم أذرع إيران، ميلشيات "حزب الله" اللبناني على لسان أمينه العام حسن نصرالله في خطاب ألقاه خلال حرب السابع من أكتوبر التي تقترب من دخول النصف الثاني من عامها الأول.

"حزب الله" ليس قطعا بحزب، والانتماء فيه قولا واحدا لـ"الولي الفقيه" الذي كان خميني وصار خامنئي الذي وعد وتوعد وتراجع كما فعل إثر ضربات إسرائيلية سابقة، داخل لبنان وسوريا والعراق وحتى إيران. تكاد ردود الأفعال على تصفية اثنين من جنرالات الحرس الثوري المسمى فيلق القدس -في الأول من أبريل/نيسان- تكاد تكون متطابقة كليا مع تلك التي شملت أسماء كبيرة -في معيار محور سموه المقاومة والممانعة- منها على سبيل الإشارة لا الحصر، عماد مُغنية وسمير قنطار وقاسم سليماني ومحسن فخري زادة وصالح العاروري الذي قيل إنه الأقرب فلسطينيا لمحمد رضا زاهدي الذي ضربته صواريخ جو-أرض إسرائيلية في حي المزة الدمشقي، شبه المغلق أمنيا وعسكريا. 

إسرائيل ومعها عدد من الدول التي حالت بفيتو ثلاثي أمريكي بريطاني فرنسي دون تمرير مشروع قرار إدانة تقدمت به روسيا في مجلس الأمن الدولي، إسرائيل تصر على توصيف الهدف باسمه وهو أنه مبنى لا قنصلية، وأنه تابع للحرس الثوري الإيراني وأنه كان خلال اجتماع بين قيادات استخبارية إيرانية مع أعضاء قياديين في فصيل الجهاد الإسلامي "فرع فلسطين" أو تحديدا غزة.

إصرار طهران على اعتبار الضربة غير مسبوقة من حيث استهدافها مقرا دبلوماسيا، وإصرار نظام ملالي إيران على رفض التوضيح الأمريكي بأن إدارة بايدن لا علم لديها بالضربة ولم تستشر بها، أوقع طهران في ورطة ستسارع إلى التراجع عنها. 

"الرد المؤلم" كما ورد في وعيد خامنئي صار محصورا بمسألتين كلاهما أكثر تعقيدا لحسابات "الشهبندر" الإيراني: إيران لن ترد بنفسها ولديها معضلة حتى الرد عبر وكلائها في ساحات محظورة. فأي استهداف لمقار دبلوماسية على أي دولة مؤثرة سيكون بمثابة انتحار دبلوماسي سياسي عسكري. طهران مازالت تسعى إلى صفقة قبل العودة المرتقبة لدونالد ترامب الرئيس السابق الذي مزق اتفاق سلفه باراك أوباما النووي وأدرج ميلشيات الحوثي على لائحة الإرهاب وكاد أن يعلن جماعة الاخوان المسلمين تنظيما إرهابيا بعد تضييقه عليهم وعلى المتعاطفين أو المتعاملين معهم في واشنطن إبان الربيع العربي المشؤوم. 

وإيران لا يمكن أن تنفذ انتقامها على أي ساحة أوروبية لحاجتها إليها كوسيط. ولا في روسيا ولا الصين لأسباب دفاعية واقتصادية. ولا في منافستها تركيا ولا حتى ساحة "دروناتها" أوكرانيا منعا لإحراج موسكو. والاستهداف في أي من الدول العربية ذات الوجود الدبلوماسي بمثابة إعلان حرب، الهزيمة فيها محققة قبل بدئها. التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي لا يقتصر على الأردن (السفارة الإسرائيلية في عمّان خالية تماما بعد طرد السفير) ومصر والدول التي أبرمت اتفاقات إبراهيم، وإنما أيضا تلك التي كان فيها أول مكتب تمثيل اقتصادي لإسرائيل في دولة عربية، وهي قطر الراعي الحالي لمفاوضات حماس مع الموساد والاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) لتفادي معركة رفح أو التفاهم على ما يعرف بـ"اليوم التالي" ويبدو أنه سيشمل دفع المكتب السياسي بعيدا إلى ما وراء الدوحة، إلى طهران أو إحدى المدن الإيراني، كمدينة "قم" مثلا!

ثمة تعبير في الثقافة الأمريكية يحضّ على الإقرار بالهزيمة وهو "العضّ على الطلقات" (بايت ذا بُلِتس)، يقابله في اللهجة الشامية "ابلاع" بمعنى ابلع. طهران ستبلع، ستتجرّع مرارة هزيمتها مرة أخرى. وإن كان من رد، فسيقتصر على ما صار معروفا إعلاميا بـ"المتّفق عليه"، رد لا يفسد لحسابات التخادم الوظيفي والتفاوض الماراثوني قضية!

الصورة ستزداد وضوحا بعد انجلاء غبار حرب غزة الموغلة في دمائها وكارثيتها، خاصة -اقتحام رفح- الذي تبيّن أنه لن يبدأ إلا بعد انقضاء عيد الفطر المبارك، ما لم يتم إبرام صفقة تبادلية. وما رحلة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي للسعودية، التي عطلتها حالته الصحية، بعد ست جولات شرق أوسطية لوزير الخارجية أنتوني بلينكن منذ حرب السابع من أكتوبر إلا الدليل القاطع على سير الترتيبات الإقليمية على قدم وساق فيما يخص اتفاق سلام هو الأهم استراتيجيا للمنطقة برمتها. إيران -المضغوطة صينيا وروسيا- تعلم ذلك جيدا، بصرف النظر إن ثبت تورطها فيما جرى في ذلك اليوم، أم ركبت موجته بعد التنصل من مسؤوليته، كالعادة.

صبر خامنئي الاستراتيجي سيستمر حتى توقيع اتفاق جديد مع واشنطن، ولو كلف الأمر الدفع بكبش جديد إلى المحرقة، يعرف باسم "حزب الله" لكن العراقي الذي كشف عن نوايا غادرة إزاء الأردن بادعاء استعدادها "لتسليح اثني عشر ألف مقاتل" ممن وصفتهم بـ"مجاهدي المقاومة الإسلامية" قبل أيام من الجمعة الأخيرة من رمضان التي سماها خميني يوم القدس، وذكّرنا بها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، في خطابه.