هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها جماعة "الإخوان المسلمين" متورطة في عمل إرهابي ضد الأردن رغم إنكار بيانها الثلاثاء أي صلة بمخططات الـ16 متهما بينهم -قيادات إخوانية منذ أواسط السبعينيات وأعضاء في حزب جبهة العمل الإسلامي- الذين ألقت المخابرات الأردنية القبض عليهم بعد متابعة استخبارية دقيقة بدأت عام 2021.
كالعادة، وصف بيان جماعة "الإخوان" ما جرى بأنها أعمال "منفردة" مدعية -رغم زعمها بالجهل بما جرى طوال السنوات الأربع الماضية- أن شراء المتفجرات وجلبه من خارج المملكة وإنتاج الصواريخ والمسيّرات أتى دعما "للمقاومة" الفلسطينية، أو بشكل أدق، الحمساوية!
وفيما عرض الإعلام الأردني الرسمي صورًا عما تم ضبطه من أدلة جنائية وفيديوهات الضبط حسب الأصول القانونية واعترافات المتهمين الذين مارسوا -عبر أربع خلايا- مخططاتهم الإرهابية داخل الأردن وخارجه في بلاد شملت لبنان وتركيا، عمدت أذرع "الإخوان" الإعلامية داخل الأردن وخارجه إلى التشكيك، مستندة إلى سرديات دعائية، من ضمنها توقيت الكشف عن تلك المخططات وحقيقة استهدافها للأردن.
لعل من أبرز ما يميز الوقع الإعلامي والسياسي للتوقيت عاملين: الأول هو نشر خبر إحباط المخططات عشية اليوم الوطني للعلم الأردني الذي يصادف السادس عشر من نيسان، والثاني هو تزامن ذلك مع المحادثات التي يجريها رئيس وزراء الأردن جعفر حسان مع الإدارة الأمريكية والتي شملت وزيري التجارة والخارجية هوارد لوتنيك وماركو روبيو إضافة إلى قيادات اقتصادية ومالية في واشنطن من ضمنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
من نافلة القول، إن توقيت الكشف عن إنجاز أمني بهذا الحجم وطريقة التغطية الإعلامية مسألة مدروسة يحرص فيها العقل السياسي والأمني على توظيف ذلك الإنجاز بأبلغ الرسائل الموجهة للداخل والخارج على حد سواء. وكما جرى في قضايا سابقة، ليس سرا أن التعامل الإعلامي للأمن الأردني مع قضايا ذات أبعاد سياسية يتسم دائما بالاتزان والتدرج بحيث يُبقي الأجواء مناسبة للأطراف المعنية بالتراجع واعتماد ثقافة الاعتذار عوضا عن الدفاعيات والاعتذاريات التي لم تعد مقبولة لدى الرأي العام.
بطبيعة الحال، الملف برمته منظور أمام القضاء وبحسب توقعات رئيس سابق لمحكمة أمن الدولة، فإن صفة الاستعجال للقضية تتراوح بين أربعة أشهر إلى عام على أبعد تقدير. وبالاستناد إلى سير المداولات القضائية والتغطية الإعلامية في قضايا سابقة تتعلق بمكافحة الإرهاب سيما التنظيمات الإسلامية على تباينها المحلية منها والعابرة للحدود، فإن تفاصيل أخرى قد يتم الكشف عنها لاحقا خلال المحاكمة قد تحدد وجهة الخطوة أو الخطوات التالية من قبل الطرفين الدولة الأردنية -الملك والدائرة- و"الإخوان" جماعة وحزبا.
الأجواء السياسية الداخلية والمناخ الإقليمي يؤشر إلى أن الأمر ليس مجرد مفترق طرق تقف أمامه جماعة الإخوان المسلمين أو واجهتها السياسية البرلمانية حزب جبهة العمل الإسلامي أو أحزاب أردنية الاسم لتنظيمات فلسطينية فصائلية سابقة كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي صارت حزب الوحدة الشعبي! المرحلة الراهنة أقرب ما تكون إلى مرحلة فارقة يكون فيه الفراق بين الدولة من جهة وبين التنظيمات العابرة للحدود أو بصريح العبارة التي لا تكون أردنية الانتماء والولاء بالكامل دون الاختباء وراء شعارات "مقنّعة أو ملثّمة" ترى في الوطن الأردني مجرد ساحة من تلك الساحات التي زعم نظام ملالي طهران أنها موحدة في "المقاومة والممانعة"!
ليس سرًا والأمر لا يتطلب بحثًا ولا استطلاعًا ولا استفتاء لإدراك حالة التململ والتوجّس التي ضاقت بها دول كثيرة في الشرق الأوسط وخارجه، من ضغط الشعبوية خاصة تلك التي تتلاعب بالعاطفة الدينية والقومية والتي تبلغ درجات أعلى من الخطورة عندما تخلط الساحات وتوزع الأدوار، بحيث تتولى "الجماعة" الشارع، و"الحزب" البرلمان و"خط الرجعة" دائما محفوظ بالقول إن ما تم كشفه الثلاثاء ما هي إلا أعمال فردية تماما كما حصل في "عملية" تسلل قام بها عضوان من الجماعة ذاتها قبل ستة أشهر داخل إسرائيل عبر الحدود المشتركة التي تقول مصادر إسرائيلية أن نحو أربعة آلاف حالة قد جرى كشفها منذ كارثة السابع من أكتوبر 2023 الأمر الذي يعتبر رقمًا مبالغًا به من الناحية العملية، أو أنه في غاية الخطورة من الناحية الأمنية في حال استمرار الأحداث الملتهبة في أي من الساحات الشرق أوسطية والتي يحسن الآديولوجيون، خاصة من التيارات الدينية والثورية توظيفها.
من الجلي أن "اليوم التالي" لغزة هو يوم شرق أوسطي بامتياز سيما بعد اقتراب حسم مفترق الطرق الذي تقف أمامه الآن إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى. ذلك اليوم التالي لا مكان فيه للخروج على شرعية النظم ولا على الشرعية الدولية بمعاييرها الجديدة الآخذة بالتشكل بما يشمل التجارة الدولية ومصادر وخطوط انتاج وتسويق الطاقة والملاحة البرية والبحرية. الأمور تتجه بشكل حثيث ومتسارع إلى تحضر الأرضية المناسبة لتعزيز دولة المواطنة والقانون والتي من أهم شروطها إنهاء التطرف والعنف والإرهاب بكل أشكاله بعيدًا عن تجارب ثبت عدم نجاحها بحجة التمكين والتعددية. ما كان يحسب للإخوان في الخمسينيات والسبعينيات في الأردن ما عاد قائما لاعتبارات كثيرة. وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب المنبثقة عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهتين الشعبية والديمقراطية.
في نهاية المطاف، تبدو الأمور ذاهبة إلى حلّ حزب جبهة العمل الإسلامي، وتشديد تطبيق قرار حل وحظر جماعة "الإخوان المسلمين"، الأمر الذي يترتب عليه ما هو أكثر من حل البرلمان الحالي، والدعوة في ظروف مواتية إقليميًا وليس أردنيًا فقط، إلى انتخابات عامة يتم فيها تشديد ضوابط العمل الحزبي، بحيث يكون وطنيًا خالصًا متعافيًا من آثار التدخلات الخارجية بالمال أو الدعاية. وكل هذا لن يجدي نفعًا ما لم يتم إعادة تحرير الفضاء العام والمنابر العامة من سطوة من امتهنوا اختطافها باسم الادعاء باحتكار الحقيقة لا الوطنية والدين فقط!