رأي.. ألون بن مئير يكتب لـCNN: السعودية لديها فرصة ذهبية لتكون صانعة السلام

منذ 1 سنة 163

هذا المقال بقلم البروفيسور ألون بن مئير، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نيويورك وزميل بمعهد السياسة الدولية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لن يجد الإسرائيليون والفلسطينيون حلًا لصراعهم بدون وساطة طرف ثالث. لم يعد مثل هذا الطرف هو الحكم التقليدي، الولايات المتحدة، بل المملكة العربية السعودية، فقد خلق السعوديون بيئة جيوستراتيجية واعدة في المنطقة ولديهم الوسائل والنفوذ السياسي للنجاح حيث فشل الآخرون.

بدأت المملكة العربية السعودية على مدار العام الماضي نهجًا جيوستراتيجيًا رئيسيًا جديدًا للشرق الأوسط لتحقيق ثلاثة أهداف مميزة: تحقيق الاستقرار إلى أقصى حد في المنطقة التي تمزقها النزاعات، وزيادة نفوذها الإقليمي والدولي ومكانتها، وضمان استقرار الصادرات. وتحقيقا لهذه الغاية، استأنفت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع عدوها اللدود إيران، ودعت الرئيس السوري الأسد للعودة إلى الصف العربي، ووسعت علاقاتها الضمنية مع إسرائيل، واستضافت محادثات بين الأطراف المقاتلة في السودان، واستمرت في بذل الجهود للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، كل ذلك بينما تتبع مسارًا مستقلًا ومحسوبًا بعناية في علاقاتها الخارجية، خاصة مع القوى الكبرى، الولايات المتحدة والصين، وترسيخ دورها القيادي في العالم العربي. بكل المقاييس، أصبحت المملكة العربية السعودية القوة الصاعدة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط التي لا يمكن لأي دولة في المنطقة منافستها.

من المؤكد أن المملكة العربية السعودية قد وضعت نفسها في وضع فريد حيث يمكنها استخدام نفوذها ودورها القيادي بشكل أكبر من خلال التوسط في حل أطول صراع وربما الأكثر تعقيدًا بين إسرائيل والفلسطينيين منذ الحرب العالمية الثانية. يدرك السعوديون أنه ما دام هذا الصراع مستمرًا، فإن الاستقرار الإقليمي يظل هشًا في أحسن الأحوال.

علاوة على ذلك، فإن أي حرب واسعة النطاق بين إسرائيل والفلسطينيين ستشكل تداعيات أمنية كبيرة من شأنها أن تمس كل دولة في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن حل النزاع قد استعصى على وسطاء آخرين في الماضي، لا سيما الولايات المتحدة، فإن المملكة العربية السعودية، كونها القوة الجيوسياسية ذات الشعبية المتزايدة والنفوذ السياسي هي الآن في وضع فريد لتغيّر ديناميكية الصراع وربما تحقيق اختراق حيث فشل الآخرون.

قد يرفض بعض مراقبي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتمرسين فكرة مبادرة سعودية جديدة، مستشهدين بالرفض المستمر منذ عقود من قبل إسرائيل والفلسطينيين لتقديم التنازلات الضرورية للتوصل إلى اتفاق سلام. ويصر آخرون على أن الوقت قد فات للتفاوض على حل الدولتين، حيث تغيرت الظروف على الأرض بشكل جذري ولم تعد تصلح لمثل هذا الحل. وهناك من يزعم أن هناك دولة واحدة بحكم الواقع بنظامين قانونيين يناسب احتياجات إسرائيل، وأن الحكومات الإسرائيلية اليمينية ستواصل بذل كل ما في وسعها للحفاظ على الوضع الراهن، إن لم يكن توسيع المستوطنات وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة تحت أي ظرف من الظروف.ومع ذلك، فإنني أصر على أنه رغم استعصاء الصراع والواقع الجديد على الأرض الذي يشمل المستوطنات الإسرائيلية، ووضع القدس، ومخاوف الأمن القومي المتشابكة لكلا الشعبين، فإن التوقيت والظروف قد أصبحت ناضجة لمبادرة سعودية من هذا القبيل.

هناك 6 جوانب تؤيد هذا الاقتراح بقوة:

أولًا، ستكون أي مبادرة سعودية جديدة متسقة مع مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي اقترحها السعوديون في البداية ثم تبنتها جامعة الدول العربية. لكن هذه المرة ينبغي على السعوديين الإعلان علنًا عن استعدادهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن تتفاوض الحكومة الإسرائيلية بحسن نية مع الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق على أساس حل الدولتين؛ وسيتصرف السعوديون كوسيط بدعم من الولايات المتحدة. ومن خلال اتخاذ مثل هذه المبادرة، سيؤكد السعوديون دورهم القيادي بشكل أكبر الآن وفي أي مفاوضات مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين.

ثانيًا، ليس هناك ما يريده رئيس الوزراء نتنياهو أو أي من خلفائه أكثر من تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهو أيضًا المفتاح لسلام عربي- إسرائيلي شامل، وهذا يمنح السعوديين نفوذًا كبيرًا يمكنهم الاستفادة منه بشكل كامل لإقناع الحكومة الإسرائيلية بتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق. وبالنسبة لنتنياهو، فإن تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر على وجه الخصوص سيكون جوهرة التاج في حياته السياسية الطويلة.

علاوة على ذلك، ونظرًا لتضاؤل شعبية حكومة نتنياهو، لا يمكنه تحمل تجاهل مبادرة سعودية. ستطالب أحزاب اليسار ويسار الوسط السياسية إسرائيل بأخذ أي مبادرة سعودية على محمل الجد، الأمر الذي قد يؤدي خلافا لذلك إلى تفكك حكومة نتنياهو، وستعطي انتخابات جديدة على الأرجح أحزاب اليسار والوسط السياسية تكليفا جديدا لتشكيل حكومة ائتلافية تكون أكثر انسجاما للوصول إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين كما قال العديد من قادة المعارضة، بما في ذلك يائير لابيد، زعيم ثاني أكبر حزب وهو "يش عتيد" (أي هناك مستقبل).

ثالثًا، كزعيم ناشئ للدول العربية، يعرف السعوديون أنهم لا يستطيعون تحمل تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينية قبل استنفاذ جميع الخيارات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن المؤكد أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيرحبون بمبادرة سعودية جديدة، مدركين تمامًا أن المملكة العربية السعودية تظل لاعبًا مركزيًا في أي مفاوضات سلام.

يعتبر الدعم السياسي والمساعدات المالية التي يقدمها السعوديون للفلسطينيين أمرًا محوريًا، الأمر الذي يمنح السعوديين نفوذًا هائلًا على الفلسطينيين الآن وفي المستقبل لتقديم التنازلات المطلوبة، خوفًا من أن يصبح السعوديون أحرارًا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل وترك الفلسطينيين وشأنهم.

رابعًا، يمكن للسعوديين بالتأكيد الاعتماد على الدعم الأمريكي، خاصةً لأن إدارة بايدن لا تميل إلى بدء محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية جديدة في هذا المنعطف ولا تدفع أكثر من مجرد تشدق بآفاق حل الدولتين. علاوة على ذلك، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي، سيدعم الاتحاد الأوروبي بقوة المبادرة السعودية لأن الاتحاد الأوروبي كان متسقًا مع جهوده لتسهيل حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

خامسًا، بالنظر إلى أن الصراع بين إسرائيل وإيران هو مصدر عدم استقرار إقليمي كبير، فإن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل واستئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية - الإيرانية سيكون له بالتأكيد تأثير إقليمي مهدئ، وهو ما تسعى إليه الرياض. لن يخفف هذا من مخاوف إسرائيل بشأن برنامج طهران النووي ولن يخفف تمامًا من موقف طهران العدائي تجاه إسرائيل، لكنه سيخفف من موقف وكيل إيران، أي "حزب الله" تجاه إسرائيل ويقلل من فرص اندلاع حرب مستقبلية بين حزب الله وإسرائيل.

سادسًا، إن السلام الإسرائيلي تحت قيادة السلطة الفلسطينية الحالية أو السلام المعتدل في المستقبل في الضفة الغربية سيجبر حتمًا المتشددين الفلسطينيين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على إعادة تقييم موقفهم تجاه إسرائيل، وسيتعين عليهم إما الانضمام إلى السلطة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة (بشرط أن تعترف أولًا بحق إسرائيل في الوجود) أو أن ترفض أن تكون جزءًا من عملية السلام وأن تستمر في المعاناة تحت الحصار. لقد أدركت حماس منذ فترة طويلة أن حقيقة إسرائيل أمر لا رجوع فيه، وبمجرد وضع مبادرة سعودية، قد تجد طريقة للانضمام إلى عملية السلام، خاصة الآن بعد أن أصبحت غزة تعتمد بشكل متزايد على إسرائيل في العديد من الجبهات، ولا سيما فرص العمل لعشرات الآلاف من سكان غزة.

من المؤكد أن السعوديين لديهم فرصة ذهبية لتغيير ديناميكية الصراع بشكل كبير من خلال تجديد مبادرة السلام السعودية لعام 2002. وسيكون من السذاجة افتراض أن السعوديين يمكنهم ببساطة عقد اجتماع بين الطرفين والتوصل إلى حل. يجب أولًا التخفيف إلى حد كبير من العداء العميق والكراهية وانعدام الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عقود من خلال عملية المصالحة - بين الناس والحكومة. ينبغي مراقبة مثل هذه العملية من قبل السعوديين والولايات المتحدة وتمتد على مدى عدد من السنوات شريطة أن يتفق الطرفان مقدمًا على إنشاء دولة فلسطينية باعتباره النتيجة النهائية للمفاوضات.

وفي ظل أسوأ سيناريو ممكن، إذا رفضت إسرائيل والفلسطينيون النظر في أي مبادرة سعودية، فلا ينبغي أن يمنع ذلك المملكة العربية السعودية من المحاولة. وبصفتها الزعيمة الصاعدة بلا منازع في الشرق الأوسط والتي تسعى إلى الازدهار والأمن والاستقرار، لا تستطيع الرياض ببساطة تجاهل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني المحتدم.

يحتاج كل من إسرائيل والفلسطينيين إلى المملكة العربية السعودية. والأمر متروك الآن للرياض لاغتنام الفرصة وتأكيد مكانتها كقائد إقليمي وتتولى عباءة صانع السلام.