أقوم بذلك أثناء استلقائي في السرير، قبل أن أغط في النوم. وفي أحيان أخرى، أتسلل من مكتبي من أجل القيام بتمارين سريعة في دورة المياه بالشركة. وأحياناً، أفعل ذلك خلال تناول العشاء مع الأصدقاء. في إحدى المرات للأسف، أقدمت على ذلك في منتصف موعد غرامي. قد يبدو الأمر غريباً للبعض ولكن ما من مكان يمنعني حرفياً عن التوقف عما أقوم به من أجل تلبية متطلبات طائر أخضر من الرسوم المتحركة الذي يظهر فجأة على شاشة هاتفي. أتحدث هنا عن "بومة" تطبيق "ديولينغو" Duolingo التي أمسكتني بمخالبها لسنوات من دون أن تفلتني.
على مر الأيام الـ145 الماضية، التزمت إتمام تمرين يومي واحد في الأقل على "ديولينغو" - تطبيق تعلم اللغة الأكثر شهرة في العالم. فعوضاً عن دروس الإسبانية التقليدية، أخصص بين دقيقتين و15 دقيقة يومياً لإنجاز تمارين تجعلني متآلفة بشكل أكبر مع اللغة. بدءاً من تعلم القواعد الأساسية، على غرار كيفية طلب كوب من الماء، إلى الأمور الأكثر صعوبة كوصف النكتة التي قام طبيب أسنان جدتك بإخبارها لها الأسبوع الماضي، يمزج التطبيق المهام المكتوبة والمسموعة مع ألعاب متعددة الخيارات لتوسيع الدائرة المعرفية للمستخدمين. من ثم تقوم سفيرة التطبيق البومة "ديو" Duo ومعها شخصيات متنوعة أخرى بالظهور على الشاشة لمساعدة المتعلمين خلال الصف مع بعض التعليقات الجانبية.
في معظم الأحوال، تترك القدرة على تطوير مهارة جديدة شعوراً رائعاً فضلاً عن معرفتي أنه أصبح بإمكاني الدفاع عن نفسي والخروج بسهولة من الورطات أثناء سفري خلال العطلات. مع ذلك، إضافة إلى رغبتي بأن أصبح عالمة لغات شاملة، ينبع جزء من التزامي تطبيق "ديولينغو" من رغبة بسيطة بأن أستمر في الحفاظ على سلسلة نجاحاتي اليومية. ففي كل يوم أستخدم التطبيق، يزداد العدد التراكمي [الناتج من نجاحاتي] الذي يظهر على الشاشة. في المقابل، ليس هناك أي هدية أو جائزة نقدية، بل الشعور بالرضا لمعرفة أنني أضفت يوماً جديداً على مجموعي الإجمالي فضلاً عن موجة من التهاني التي تصلني من "ديو" وهي الأمور التي تعيدني إلى التطبيق مجدداً مهماً كان الثمن. في أوساط أصدقائي، أصبح الأمر بمثابة نكتة متداولة تتعلق بأنني أجد الوقت دائماً للتواصل مع طائر يتحدث اللغة الإسبانية ومدى الجدية التي أقوم بها بذلك (بوسعي تصور كم كانوا سيضحكون لو عرفوا بالشهر الكارثي الذي أمضيته في محاولة إضافة الألمانية والإيطالية إلى قائمة اللغات أيضاً).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من أصل 37 مليون مستخدم نشط على التطبيق، لست الوحيدة التي تشعر بفخر كبير في إبقاء هذا النشاط اليومي مستمراً. في سبتمبر (أيلول)، انتشرت أخبار "لاليا" الطالبة من أريزونا على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها حققت 365 يوماً من الممارسة المتواصلة على التطبيق فأقامت حفلة تخللها قالب حلوى على شكل بومة باللون الأخضر وزينة مطابقة. وشرحت قائلة، "عندما بدأت باستخدام ديولينغو، عرفت على الفور بأن الهدف اليومي للنجاح هو أمر سألتزم به. كنت في حاجة إلى إتمام مهمة يومية لأبقى بكامل تركيزي على اللغة. الفرنسية هي لغة أود فعلاً إتقانها ومع التحدي المتتالي، أدركت أنني سأكون منضبطة".
إضافة إلى تطوير لغتها الفرنسية، تقول لاليا، إن الحفاظ على إتمام الهدف اليومي في ديولينغو يمنحها شعوراً رائعاً بالإنجاز وهو أمر ارتأت أنه يستحق الاعتزاز به. وتضيف: "كنت في حاجة إلى مكافأة نفسي لأنه ليس من السهل الحفاظ على سلسلة النجاح اليومي من ديولينغو، فكل من يختبر ذلك بوسعه أن يؤكد الشعور الذي يتملكه عندما لا ينجز الفرض اليومي ويبدأ الوقت ينفذ منه. قد يبدو الاحتفال بإتمام سلسلة نجاحات متتالية في ديولينغو أمراً صغيراً أو تافهاً ولكننا نتحدث في الواقع عن عام كامل! يتعلق الأمر بكثير من الأيام التي تشمل التفكير بالأمر نفسه واعتباره جزءاً من روتيني اليومي... يعني ذلك الكثير بالنسبة لي".
بدأت جو وهي متقاعدة من كينت، بتعلم اللغة الأوكرانية على ديولينغو للتواصل بشكل أفضل مع العدد المتزايد من اللاجئين الذين انتقلوا إلى المنطقة. بالنسبة إليها، برز الدافع للتعلم من الرغبة بأن "أقوم ببعض الخير في مجتمعي، فأنا أملك الوقت وهذا أقل ما يمكنني القيام به." وتابعت بالقول: "أنا ملتزمة الفعل بهذا الأمر. وأجد أنه عندما أملك بعض وقت الفراغ، أدخل إلى التطبيق للاستمتاع والتسلية. هل يمكنني إجراء حديث مع شخص ما؟ كلا. هل أصبحت لكنتي جيدة؟ حتماً لا، ولكنني أستمر في العودة إلى التطبيق يومياً". على رغم أن الهدف يتمثل في التوصل إلى إجراء حديث باللغة الأوكرانية، فإن جو غالباً ما تجد نفسها منخرطة في التطبيق لساعات متتالية يومياً. "في إحدى المرات، أمضيت ست ساعات متتالية على التطبيق، لم يكن من الممكن إيقافي! كنت أجيب على الأسئلة بشكل صحيح واندفعت بشكل كبير للاستمرار. عادة ما أبدأ عند الساعة 5:30 فجراً عندما أستيقظ وبوسعي الاستمرار في ذلك حتى الساعة 8:30".
لا تشعر جو بالفخر في الحفاظ على سلسلة نجاحاتها اليومية، التي تخطت 200 يوم متتالٍ وحسب، بل تتنافس في تحديات إضافية لتسجيل النقاط والتقدم في قائمة المتصدرين الأسبوعية وهي عنصر آخر في التطبيق يضيف إلى جاذبيته التنافسية. وتشرح جو: "أعتقد أن قائمة المتصدرين هي العنصر إثارة للعصبية. أود التراجع إلى مستوى أدنى -أنا على وشك التعرض لـ"تخفيض رتبة" في قائمة المتصدرين التالية، وأحاول تجاهل الأمر فأقول في نفسي: "أنا لا أهتم بذلك"، ولكنني أهتم بذلك فعلاً".
بحسب بايو بريهانديتو وهو مدرب حياة ومتخصص في الصحة النفسية، يعني الشعور بالتحدي والإنجاز الذي ينبثق عن طبيعة التطبيق التي تتمحور حول لعبة بأن عديداً من مستخدميه يختبرون متعة حقيقية عندما يحافظون على سلسلة نجاحاتهم اليومية. ويشرح قائلاً: "إن المنصات الشبيهة بديولينغو أو أي تطبيق ألعاب آخر يستهدف نظام المكافأة في عقلنا بشكل مباشر. عندما نحافظ على تحقيق الهدف اليومي المنشود، يكافئنا العقل ببعض الدوبامين أو الهرمون الذي يعزز الشعور بالسعادة. خلال هذا الوقت، يخلق هذا الأمر حلقة من ردود الفعل ويشجعنا على العودة والحفاظ على تلك السلسلة من النجاحات المتتالية".
في المقابل، عندما تواجه السلسلة خطر الخلل، بوسع مستخدمي ديولينغو اختبار صعوبات عاطفية. قبل استخدامي الحالي للتطبيق لفترة امتدت على أربعة أشهر متواصلة، سجلت إنجازاً بلغ 650 يوماً قبل أن أكسر النمط بصورة متعمدة وكل ذلك لأنني وجدت أن احتمال كسر سلسلة النجاحات اليومية من طريق الخطأ أمر محبط جداً. على رغم أن الأمر يبدو ممتعاً في غالب الأحيان، ففي حال تكرر وأصبح عادة، ليس بإمكاني تقبل الإحساس بالفشل المحتمل كلما اقتربت من نسيان الدرس. بالنسبة إلى الأشخاص البعيدين عن قبضة الإدمان التي يسببها التطبيق، قد يبدو ذلك غباء وأنا أوافقهم الرأي، إنه مجرد رقم كما أن تعرقل سلسلة النجاحات اليومية لا يلغي ما يقارب عامين من التعليم.
لم ينته العالم بالنسبة إليّ عندما رأيت عدادي يعود إلى الصفر، ولكن الآن، مع وضعي نصب عيني هدف بلوغ 200 يوم بحلول نهاية العام، بوسعي الشعور بإطلالة ذاك الخوف مجدداً". وأشار بريهانديتو إلى أنه "عندما يصبح هذا السلوك عادة، بوسع فكرة كسر سلسلة النجاحات اليومية أن يخلق شعوراً بالضغط والتوتر. في الممارسة، لا يتعلق الأمر بالخوف من فقدان الإنجاز المتواصل وبحسب بل بالجانب العاطفي والجهد ووقت استغرقناه لتحقيق ذلك".
بعد مرور ما يربو على خمس سنوات من إطلاق التطبيق، ما زال مهندس الصوت جوش يستخدم التطبيق يومياً على رغم اعتبار نفسه يتحدث اللغة البرتغالية بطلاقة. وعلى رغم أن ديولينغو منحه تحفيزاً ودفعاً في هذا الإطار، وجد جوش أنه لم يتمكن من الذهاب بعيداً في ذلك. فعندما وصل إلى البرازيل بعد ثلاث سنوات من بدئه سلسلة التعلم المتواصلة، لم "يكن بوسعه إجراء حديث". من الممكن أن تكون التمارين الافتراضية مع "ديو" وأصدقائه منحته المعرفة بالكلمات المناسبة، بيد أن الأمر استغرقه ثلاثة أشهر من الاختلاط والانغماس في البلاد لجلب مهاراته إلى الحياة. ويقول "عندما غادرت، كان لديّ أصدقاء لا يمكنهم تحدث الإنجليزية. بالنسبة إلى تطبيق مجاني، الأمر مذهل فلقد منحني الأدوات قبل أن توصلني الممارسة إلى المكان الذي أحتاج إلى بلوغه".
من الناحية النظرية، ما من سبب للاستمرار في استخدام ديوليونغو بشكل مستمر كما يفعل هو، ولكن بعد مرور 1786 يوماً، لا يبدو أن جوش يخطط للتوقف قريباً. ويقر قائلاً: "في الوقت الحالي، لا أستخدم التطبيق لتعلم شيء ولكنني أستخدمه يومياً لكي أمنع العدد من العودة إلى الصفر. أتصدر حالياً قائمة الترتيب [لأفضل الإنجازات اليومية]، أنا تنافسي بطبيعتي ولا أود الخروج من المنافسة".
على ما يبدو، أنا على بعد قائمتين من أعلى مستوى للمتصدرين: الرابطة الماسية. فعندما يبلغ المستخدم تلك المرحلة، لا يفز بشيء أكثر من الفخر والاعتزاز (فضلاً عن الضغط المتزايد للحفاظ على أكثر شعارات الإنجاز تبجيلاً). على رغم أن فكرة التنافس بجهد أكبر على منصب "الرابطة الماسية" هي مغرية، فمن أجل سلامتي العقلية وسلامة وظيفتي وعلاقاتي، أنا أقاوم الرغبة في إضافة مستوى آخر من المنافسة على تجربتي مع تطبيق ديولينغو.
أشعر بالراحة لمعرفة أن هناك أشخاصاً استمروا لسنوات وحافظوا على سلسلة نجاحاتهم اليومية وما زالوا يستمتعون بالمنافسة. آمل يوماً ما أن أتقن الإسبانية وأتحدثها بطلاقة مع تطبيق ديولينغو الذي لا ينفك يظهر على الشاشة ويسجل النقاط لي، ولكن حتى ذلك الحين، تستمر المنافسة على الحفاظ على سلسلة النجاحات اليومية وقد بلغت حالياً 146 يوماً.