دعوني أحدّثكم

منذ 3 أسابيع 37

ولدت ونشأت وترعرعت في مدينة الرياض، وكانت العاصمة السعودية مدينة وادعة تطورت مع تدفق النفط. لن أحدّثكم عن جوانب التطور في المدينة، ولكنّي سأتحدث عن النقل العام، فقد كانت الأسواق الرئيسية في مدينة الرياض تتركز في وسط البلد، ما بين الديرة وشارع الوزير والبطحاء، وكانت في كل مكان من هذه الأماكن مواقف لسيارات الأجرة «التكاسي»، أي «ستيشن»، وكان صاحب التاكسي يقف بجانب سيارته منادياً بأنه ذاهب من هذا المكان إلى مكان آخر يسميه، فيبدأ الركاب بالتوافد على سيارته الّتي غالباً لا تتسع لأكثر من خمسة أشخاص، وكانت الأجور زهيدة ولا تتعدى الخمسة قروش من محطة إلى أخرى، ثم بدأت المدينة تتوسع شيئاً فشيئاً، ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد ظهرت الحافلات (الباصات) وكانت تجوب المدينة من جنوبها إلى شمالها، والعكس.

وكان الراغب من الشباب في حضور مباراة في ملعب «الصائغ»، وبعد ذلك في ملعب «الملز» يستقل الحافلة لأكثر من محطة حتى يصل إلى الملعب ويشاهد المباراة، ثم يعود بالطريقة ذاتها.

بعد ذلك، تطورت المدينة، ونشأت شركة النقل الجماعي «سابتكو»، وللحقيقة فإن الشركة نجحت في النقل بين المدن، ولكنها أخفقت في النقل داخل المدن، ومع نشوء شركة النقل الجماعي، بدأت محاصرة تراخيص حافلات الأفراد؛ رغبةً في موت هذه التراخيص، فلم يكن يسمح للفرد بأن يشتري حافلةً جديدة، بل سمح له بأن يمارس النقل بحافلته القديمة، وأنتم تعرفون أنّ للسيارات أعماراً محددة، فمع الزمن ماتت هذه السيارات، وخلت العاصمة السّعودية من النقل العام. وكان أحد هواجس الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميراً للرياض ورئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، هو إيجاد نقل عام.

ويذكر الدكتور عبد العزيز العوهلي، رحمه الله، حينما كان مشرفاً على بناء البنية التحتية لقطار الرياض، أن الطّريق الّذي لم يتعبهم في مرحلة إنشاء قطارات الرياض كان طريق الملك عبد الله، وذلك أن الملك سلمان في أثناء إنشاء الطريق أمر بأن يكون هناك مسار للقطار، وهذا ما حدث. الأربعاء الماضي، أعطى الملك سلمان إشارة البدء لانطلاق قطار الرياض، واليوم الأحد ستكون أولى رحلات قطار الرياض على ثلاثة مسارات. هذا القطار الّذي انتظره سكان العاصمة السعودية طويلاً، فطرقات العاصمة أصبحت مملة للسائقين لكثرة الزحام، لذلك أعتقد بأن ينقل القطار ضعف عدد الركاب المتوقع نقلهم، فالجهات الرسمية تتوقع أن ينقل القطار 1.7 مليون راكب، ولكنّي أظن أن يتجاوز عدد الركاب هذا الرقم بكثير، وذلك لأسباب عدة: أولاً، ارتفاع أسعار البنزين، ثانياً لم تعد مواقف السيارات مجانية كما كانت، بل أصبحت برسوم. مثل العاصمة السعودية مثل عواصم العالم.

ثالثاً أن كثيراً من سكان العاصمة اضطرّوا لامتلاك السيارات ولم تكن هذه رغبة منهم، بل كانت حاجة لعدم توفر النقل العام. في العاصمة السعودية الرياض، هناك شقان للنقل؛ الأول الحافلات، والثاني القطار... واليوم الأحد، يبدأ التشغيل لثلاثة مسارات للقطار، سوف تتبعها المسارات الأخرى؛ لذا أرجو من الجهات المشرفة على النقل العام أن تقيّم التجربة، وتحاول جاهدة إيصال النقل العام إلى كل جزء من أجزاء المدينة؛ لأن النقل العام إذا وصل إلى كل أجزاء المدينة فإن معظم السكان سيستغنون عن سياراتهم الخاصة، ويستخدمون النقل العام، وهذا سيخفف ازدحام الطرق، كما أنه سيقلل انبعاثات الكربون، فسكان العاصمة سيكسبون مكسبين: الأول الحفاظ على أوقاتهم؛ لأن رحلة القطار محددة المدة من محطة الانطلاق إلى محطة الوصول، أما المكسب الآخر، فهو مكسب بيئي، إذ ستقل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات، وبهذا نحافظ على البيئة.

أكرر، أرجو من الجهات المشرفة على النقل العام أن تسعى بكل ما أوتيت من جهد لإيصال خدمات النقل العام لكل أنحاء المدينة؛ لنقلل من عدد السيارات الخاصة، ونحافظ على البيئة. ودمتم.