ملخص
رغم الحرب فإن غزة صنعت فوانيس رمضان والباعة يعرضونها أمام المنازل المدمرة
كأن شهر رمضان الذي يحب الزينة والألوان الجذابة قد بدأ من جديد في غزة، إذ انتشرت في شوارع جنوب القطاع بسطات لبائعي الفوانيس، الذين يحاولون تذكير النازحين بأن أيام الصوم المعدودة تحب الحياة والابتهاج وتجاهل الحرب والغارات التي لم تتوقف حتى في أوقات السحور والإفطار.
على رصيف السوق الشعبية في مدينة دير البلح جنوب غزة، يقف فايز خلف بسطة صغيرة يعرض عليها فوانيس مضيئة، ويحاول أن يجذب المارة فيقول "وحوي يا وحوي… رمضان كريم يا وحوي" ويردد أيضاً "فوانيس رمضان وصلت متأخرة… زينوا حياتكم وعيشوا بفرح الأيام الباقية من شهر الصوم".
تجذب ألوان الفوانيس الزاهية التي يغلب عليها الأحمر والأصفر المارة، وجميعهم ينظرون إلى أشكال الفوانيس بانبهار ومن بعيد يخاطب أحدهم البائع فايز قائلاً "إنجاز عظيم أنه نشوف الفوانيس ما كنت أتوقع هالسنة نلاقيهم، رمضان صار أحلى هيك".
يتحمس فايز لحديث الرجل ويتشجع أكثر فيبدأ في تغيير طريقة عرض الفوانيس على بسطته، إذ يربط حبلاً في عمود. ويعلق عليه الفوانيس، ثم يشعل إنارتها فتتلألأ أكثر، وتجذب المارة بخاصة الأطفال، وبالفعل تنهال على البائع الأسئلة عن الأسعار.
يقول البائع فايز "في بداية رمضان لم تتوفر الفوانيس، وافتقدت الأسواق وشوارع القطاع لهذه الطقوس الجميلة، لكن بعد مرور أيام عدة تمكنا من توفيرها، في محاولة منا للتعايش مع الحرب والاحتفال بشهر الصوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تظهر فوانيس وزينة رمضان في بداية الشهر، لأن تجار غزة عجزوا عن استيرادها، إذ توقفت الحركة التجارية مع بداية الحرب ولم تسمح إسرائيل بإدخال مظاهر الفرح الرمضانية للقطاع.
إنتاج محلي
يضيف فايز "هذه الفوانيس صنعت محلياً في غزة، واستغرق إنتاجها أياماً طويلة، والهدف من صناعتها وعرضها في الأسواق حتى لو بعد بداية رمضان، هو إدخال الفرحة على نفوس النازحين، ومحاولة تذكيرهم بطقوس رمضان الجميلة".
عدد محدود جداً من الفوانيس المنتشرة في أسواق قطاع غزة ووصلت إلى بسطات البائعين متأخرة قليلاً، لكنها تميزت هذا العام بتصاميم متنوعة إذ تنبعث منها روح الفرح والاحتفال بشهر رمضان.
وأمام منزل قصفته الطائرات الإسرائيلية وحولته إلى كومة ركام، وضع البائع بدر بسطته بأناقة وعرض عليها فوانيس مضيئة جعلت المشهد يبدو كلوحة فنية تنطق فرحاً، إذ أحضر طبلة وبدأ يردد أغاني رمضانية على إيقاعها.
يقول البائع بدر "وصلت فوانيس رمضان متأخرة، وأنا اشتريت كمية بسيطة منها، وقلت لنفسي لن أبيعها بل سأهديها إلى الصغار، وسأجعل أيام رمضان جميلة ومبهرة، وقررت أن أقيم ما يشبه حفلة كل يوم في السوق".
يعرض بدر على بسطته الفوانيس الخشبية التي صنعت في غزة، وإلى جانبها يضع عدداً كبيراً من الفوانيس الورقية ذات الألوان الزاهية وهي الأخرى صنعت على يد أحد أشقائه بهدف توزيعها على الأطفال.
وبينما يقرع بدر الطبل ويغني لرمضان يتجمع حوله الأطفال وينسجمون مع فعاليته التي يقيمها وسط السوق الشعبية المكتظة بالمارة، وتتمايل الطفلة نسمة على الغناء، وتلتقط بيدها فانوساً ورقياً جميلاً.
يهدي بدر الأطفال فوانيس ورقية ويطلب منهم أن يزينوا خيامهم بها، وتلقائياً ينعكس الفرح بوضوح على وجوه الصغار، يضيف بدر "من الجيد ما نفعله إذ يجب أن نحتفي برمضان، صحيح أن هذا الاحتفال متأخر ولم يكن مع بداية الشهر لكننا انتظرنا انتهاء صناعة الفوانيس".
ويتابع بدر "عملت جاهداً على بيع الفوانيس، إنها مهنة موسمية أحبها ولا غنى عنها في كل شهر رمضان، فهي تمثل طقوساً رائعة، وهي جزء من تقاليدنا، على رغم الحرب، نرغب في جلب الفرح خلال رمضان، والفانوس يعد رمزاً لهذا الشهر الكريم".
الكرتون هو الحل
اتفق بدر مع شقيقه كامل لصناعة الفوانيس الورقية، واختارا أن يكون الكرتون الذي يصلهما وبداخله معلبات المساعدات الإنسانية، المادة الأساسية لصنع زينة تدخل الفرحة في نفوس سكان القطاع.
يقول كامل "في بداية رمضان لم نجد الزينة والفوانيس في الأسواق، لذلك قررت أن أحول الكرتون إلى فوانيس"، خطط الشاب الأشكال الهندسية على الورق المقوى وقصها ثم ثبته ببعضه ولونه بألوان زاهية توحي بشيء من الفرح.
بعد أن أنتج كامل فوانيس رمضان التي وضع في وسطها شمعة صغيرة لتنير المجسم، عرضها شقيقه بدر في الأسواق لكن بغرض التوزيع مجاناً، وكان يضعها إلى جانب الفوانيس الخشبية التي صنعت في غزة هذا الموسم.
قليل من المواد الخام
بعد أن فشل التجار في استيراد فوانيس وزينة رمضان، عكف النجار عامر على صناعة فوانيس الحرب في منشرته الصغيرة. يقول "يكافح حرفيو صناعة الفوانيس في غزة لرسم أجواء استقبال شهر رمضان، على رغم الحرب فإننا صنعنا مجسمات الاحتفال بالشهر".
بالقليل من المواد الخام التي لا تزال متوفرة في غزة، صنع النجار عامر الفوانيس وتمكن فقط من إنتاج 300 فانوس، يضيف "هذا تجهيز خجول لرمضان وجاء متأخراً، كان أملنا أن نستعد للشهر قبل بدايته لكنها الحرب".
الفوانيس التي صنعها عامر عددها بسيط بالنسبة له لكن هدفها كبير، إذ يحاول من خلالها إدخال الفرحة على خيام الفلسطينيين المكلومين، وتجد الفوانيس الخشبية المصنوعة في غزة طريقها إلى البسطات المقامة وسط الخيم.
بحسب عامر فإنه قرر إنتاج الفوانيس بعد بداية رمضان عندما وجده حزيناً ولم يحتفل به سكان غزة، وحينها اتخذ في نفسه قرار إدخال الفرح على أيام رمضان بإنتاج الفوانيس. يتابع "كل بيت عاش قصة معاناة وألم وحزن في هذه الحرب لذلك يجب أن يعيش كل بيت في القطاع أجواء فرح في رمضان".