يعكس قبول إسرائيل شروط صفقة الرهائن مع جماعة «حماس» في وقت متأخر من الثلاثاء، الضغوط المكثفة التي مارستها إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح بعض المحتجزين لدى الجماعة المسلحة، ويخلق فرصاً محتملة طويلة المدى لتهدئة الصراع.
وجاءت الموافقة الأولية على الاتفاق من جانب مجلس الوزراء الإسرائيلي، بعد أن عملت «خلية سرية» من كبار مساعدي الرئيس جو بايدن بدأب، خلال الأسابيع القليلة الماضية، على شبكة من المفاوضات تشمل قطر ومصر وإسرائيل، جهد عاقه انقطاع الاتصالات داخل قطاع غزة، وسلسلة من الخلافات التي اشتعلت في اللحظة الأخيرة التي دفعت المحادثات خارج مسارها.
وقال مسؤولون بالبيت الأبيض، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشتهم المفاوضات الحساسة طيلة 5 أسابيع وأثمرت الاتفاق، إن الاتفاق سيشمل إطلاق سراح 3 أميركيين: امرأتين وطفل. وأضاف المسؤولون أنهم سيواصلون الضغط من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن الأميركيين.
جاء الإعلان عن الاتفاق في وقت تضرب فيه الانقسامات على نحو كبير صفوف الديمقراطيين حول دعم بايدن لإسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد أعداد الضحايا المدنيين في غزة، في وقت تكشف فيه استطلاعات الرأي تدني معدلات تأييد الرئيس جراء أسلوب تعامله مع الأزمة بغزة.
ويعد هذا الترتيب كذلك أحدث مثال لاتساع الفجوة بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال رد إسرائيل الساحق على هجمات «حماس»، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 12.000 شخص داخل غزة. وعلى امتداد أسابيع، حاول بايدن، بالعلن والسر، إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بوقف قصف غزة، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
ومن جانبه، رفض نتنياهو باستمرار دراسة فكرة وقف واسع النطاق للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ما دامت أنها لم تتمخض عن إطلاق سراح الرهائن.
وأفاد مسؤولون بالبيت الأبيض بأنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، خلص بايدن إلى أن إقناع نتنياهو بقبول تعليق القتال مدة أيام – بدلاً من فترات توقف محدود ساعات عدة في المرة الواحدة – سيتطلب ربط وقف القتال باتفاق لتحرير الرهائن من الأسر داخل الأنفاق التي يستخدمها مقاتلو «حماس».
وقال المسؤولون إن بايدن طرح هذه القضية بإلحاح كبير مع نتنياهو على امتداد 13 مكالمة هاتفية منذ هجمات «حماس»، وكذلك خلال اجتماع وجهاً لوجه داخل إسرائيل، ما يؤكد رغبة الرئيس في زيادة الضغط على نظيره. والواضح أن دعم بايدن الكامل بداية الأمر لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها خلال الساعات التي تلت هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تطور إلى دعوات متكررة للقوات الإسرائيلية لضبط النفس داخل غزة.
وذكر مساعدون أن الرئيس كان يأمل كذلك في أن يكون إطلاق سراح الرهائن خطوة مبكرة نحو سلام أوسع في المنطقة بمجرد انتهاء الأزمة المباشرة. وفي مقال رأي نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، الأحد، شرح بايدن إلى أي مدى تمتد طموحاته إلى ما بعد وقف القتال لمدة 4 أيام، وفق ما اتُفق عليه.
وكتب: «لا ينبغي أن يكون هدفنا مجرد وقف الحرب لهذا اليوم، وإنما يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء شيء أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى لا يستمر التاريخ في تكرار نفسه».
ومن جهتهم، أكد بايدن وكبار مساعديه مراراً أنهم لا يملون على إسرائيل كيفية الرد على المقتلة التي راح ضحيتها 1.200 شخص بالبلاد. وأعلن نتنياهو، عزمه استئناف العمليات العسكرية ضد «حماس» بمجرد إطلاق سراح الرهائن بموجب الاتفاق المبرم.
وشدد نتنياهو على أن: «الحرب ستستمر».
على الجانب الآخر، أشار بعض كبار المسؤولين الأميركيين إلى أنهم لن يصابوا بخيبة أمل إذا أصبح وقف إطلاق النار أكثر ديمومة. وإذا حاول البيت الأبيض استغلال صفقة الرهائن للضغط من أجل وقف إطلاق النار على المدى الطويل، والبدء في التحرك نحو التعاطي مع القضايا الكبرى حول الاحتلال وحل الدولتين، فإن ذلك قد يضع بايدن على مسار تصادمي آخر مع نتنياهو عندما يجري استئناف القتال.
وقال مسؤول كبير في الإدارة، كان قد تحدث إلى الصحافيين، الثلاثاء، خلال الساعات التي سبقت إبرام الاتفاق، إن وقف القتال خطوة نحو الدفع في نهاية الأمر نحو السلام، إلا أن المسؤول نبَّه إلى أن مثل هذا الاحتمال لا يزال بعيد المنال. واشترط المسؤول عدم الكشف عن هويته لتناوله اتفاقاً لم يكن قد جرى الانتهاء منه بعد.
وشرح الرئيس ومساعدوه أنهم يركزون، على المدى القصير، على ضمان التزام «حماس» بالوعود التي قطعتها خلال أسابيع من المفاوضات التي بدت في كثير من الأحيان محكوماً عليها بالفشل.
جاءت أولى علامات التقدم نهاية أكتوبر، عندما تلقى المسؤولون الأميركيون رسالة عبر وسطاء في قطر ومصر مفادها أن «حماس» قد تقبل صفقة لإطلاق سراح النساء والأطفال. وفي المقابل، أرادوا من إسرائيل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، ووقف القتال، وإرجاء الغزو البري. ومع احتشاد القوات الإسرائيلية على حدود غزة، تناقش المسؤولون في إسرائيل والولايات المتحدة حول ما إذا كانوا سيقبلون الاتفاق. ومن جهتهم، اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن «حماس» غير جادة بشأن العرض، ورفضوا تأجيل الهجوم البري. وفي المقابل، رفضت «حماس» تقديم أي دليل على أن الرهائن على قيد الحياة. وبذلك، تعثرت المفاوضات.
وفي البيت الأبيض، واصل بايدن وفريقه المعني بالسياسة الخارجية الضغط. وفي 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، تصاعد الأمل مرة أخرى بعد أن اتصل نتنياهو بالرئيس ليخبره بأنه قد يقبل العرض الأخير من «حماس»، إلا أنه في غضون ساعات قليلة من المكالمة، اقتحمت القوات العسكرية الإسرائيلية مستشفى «الشفاء» في غزة، الذي قالوا إنه كان بمثابة مركز قيادة لـ«حماس». وفجأة توقفت الاتصالات بين «حماس» والمسؤولين في قطر ومصر. وعندما عادت «حماس» إلى الظهور بعد ساعات، أوضحت أن الصفقة قد ألغيت.
وعلى مدار أيام عدة، طالبت الجماعة المسلحة بانسحاب القوات الإسرائيلية من المستشفى، ما رفضته الأخيرة. واستغرق الأمر أياماً عدة قبل استئناف المحادثات، في أعقاب اتصال هاتفي من بايدن بأمير قطر. وواصل مسؤولو الإدارة الضغط على إسرائيل، وكذلك على «حماس» عبر وسطاء. وبعد مكالمة بايدن، التقى كبار المساعدين، بمن في ذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، في قطر لمراجعة المسودة الأخيرة، وهي نص من 6 صفحات يتضمن خطوات مفصلة للتنفيذ من كلا الجانبين.
وفي غضون أسبوع، أتى الضغط الدبلوماسي بثماره. مساء الثلاثاء، عندما أجرى مجلس الوزراء الإسرائيلي تصويته النهائي للموافقة على الصفقة، توجه بايدن إلى خارج واشنطن لقضاء عطلة عيد الشكر مدة 5 أيام مع عائلته في جزيرة نانتوكيت.
وفي بيان صدر مساء الثلاثاء، تعهد بايدن بالعمل مع قيادات إقليمية «لضمان تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل». وأضاف البيان أنه «من المهم أن يجري تنفيذ جميع جوانب الاتفاق بالكامل».
ومع ذلك، فإنه حتى مع وجود الاتفاق، يواجه بايدن تحديات في المستقبل، خصوصاً أنه لا يزال هناك أميركيون محتجزون رهائن في غزة، في وقت تستمر فيه التوترات داخل الولايات المتحدة، بل في حزبه.
وقال المسؤول البارز في الإدارة، الذي تحدث إلى الصحافيين، الثلاثاء، إن الإدارة مصممة على إعادة الجميع إلى منازلهم، وإن المفاوضات ستستمر حتى يتحقق ذلك.
* خدمة «نيويورك تايمز»