خطوبة جوّية

منذ 10 أشهر 252

أتابع باستمرار مؤشر «الأكثر قراءة» في الصحف التي أداوم على قراءتها، عربيةً وأجنبيةً. لا أهمية للمؤشر نفسه فيما يتعلق بأهمية الأخبار أو الكتاب، ولكنه يدل على أمزجة الناس واتجاهاتهم واهتماماتهم، سواء في الأزمات الكبرى أو في الأيام العادية.

نلاحظ أنه باستثناء حالات الخطر الشديد، مثل حرب غزة، يهرب الناس إلى أخبار مسلّية، وعلى جانب كبير من السخف، ولا يتغير في حياة الناس شيء. وقد تقدمت –على سبيل المثال– أخبار مندوبة أميركا السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، على جميع الأحداث الأخرى. ليس بسبب معركتها ضد دونالد ترمب، بل بسبب علاقاتها خارج الزواج.

حسناً. يمكن فهم الأمر هنا لأنه يتعلق بسيدة شهيرة. لكن في لبنان الغارق في الحرب والخطر، ظل الموقع الأكثر شعبية لخبر عن مسافر طلب يد مضيفة للزواج قبل نهاية الرحلة. لو كانت المضيفة تايلور سويفت والعاشق براد بيت، لتفهمنا الأمر. لكن المسألة كلها مضيفة ومسافر ورحلة عادية بين بيروت ومدينة أخرى.

يريد الناس الهرب إلى ما يريحهم. ومهما كان الأمر عادياً، أو بعيداً عن التصديق، يصدقون ما يتمنونه. يذهب الرجال والنساء إلى المنجمين لكي يسمعوا منهم ما يتمنون. أيُّ توقُّع غير ذلك يرفضونه ويعتبرون المنجّم فاشلاً.

في هذا المعنى، تبدو المؤشرات دليلاً على الحالة النفسية التي تمرّ بها الجماعات، وهشاشة الشعوب المتعبة. وتتصدر المؤشرات في الغالب أخبار الزيجات والطلاقات بين الفنانين. وهي متلاحقة، وتشبه المسلسلات التي يمثلونها. وقد سألت زميلة صحافية مَن أطلق عليها اسمها الطريف، فقالت إن والدتها سمعته في أحد المسلسلات.

الحقائق في عالمنا كثيرة وصعبة، ولذلك نعيش حياتنا في حالة فرار منها. تمر أيام عدة والحدث الأهم عند الناس أن شاباً طلب يد مضيفة ولكن في العلالي. والسبب أن جميع الأخبار الأخرى كانت مملة: لا رئاسة جمهورية، ولا رئاسة حكومة، ولا رئاسة أركان، ولا رئاسة مدرسة. إذن، خطوبة على 35 ألف قدم.

أرجو ألا يساء الظن بي. أنا لا أعترض على حالة الهروب، وإنما على بعض أشكالها. أي أنْ يصبح الهرب من الأخبار السياسية سبباً لجعل خطوبة جوية أهم أحداث اليوم. أو أن يصبح «تنبؤ» السيدة ليلى عبد اللطيف بطلاق أو زواج فنّي، حدث الأحداث. نحن جميعاً ندرك حالة الكآبة التي نمرّ بها. وحالة اليأس وحالة الخوف والضياع. ولكن إلى درجة أن يصبح «الأكثر قراءة» مسافر يطلب الزواج من مضيفة، ألم يكن في وسع البطل الانتظار إلى لحظة الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي؟