خروف العيد شارة البشارة في تونس

منذ 1 سنة 148

في معظم المجتمعات ترسخت عادات وقيم وتقاليد يتم استحضارها خلال المناسبات الدينية وغيرها، وهي تقاليد تميز تلك المجتمعات عن غيرها إذ أضحت تمثل هويتها.

ولعيد الأضحى في تونس رونق آخر من خلال عدد من التقاليد على غرار "خرجة العيد" وتعليق قرون الخروف ومرارته، ولا تزال هذه التقاليد ثابتة على رغم الأوضاع الاقتصادية التي أرخت بظلالها الكثيفة على أجواء المناسبة.

وتعد "خرجة العيد" التي يقوم بها المئات خارج مساجد المدينة العتيقة بالعاصمة تونس واحدة من الطقوس البارزة التي يحييها التونسيون خلال عيد الأضحى، إذ يرتدي المصلون بعد صلاة العيد أزياء تقليدية تونسية مثل "الجبة"، ويقومون بترديد التكبيرات والتهليل تعبيراً عن الفرح والتضامن، لكن هناك عادات أخرى ترتبط بذبح الأضحية مثل تعليق المرارة وقرونها وأيضاً الاعتناء بجلدها من خلال استعمالها كأرضية وغير ذلك.

الاستبشار بالمستقبل

في مدينة الجريصة الواقعة في محافظة الكاف شمال غربي تونس يقوم الأهالي بتعليق المرارة فوق غصون الأشجار أو على الحائط أو باب البيت من أجل استكشاف طبيعة العام الزراعي في ظل الجفاف الذي يضرب البلاد منذ أعوام.

وقال حسن، أحد سكان المدينة، "نقوم بتعليق المرارة وهي عادة متوارثة، فإذا كانت ممتلئة فذلك فأل حسن يعني أن العام سيكون جيداً سواء من الناحية الزراعية أو غيرها، أما إذا كانت فارغة فهذا يعني أن العام سيكون سيئاً خصوصاً زراعياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف حسن أن "هذه العادة ليست جديدة فهي منتشرة في مناطق تونسية من دون غيرها، لكن هناك عادات أخرى مشتركة مثل تعليق قرون الخراف لإبعاد الحسد والعين الشريرة وغير ذلك، وإلى جانب الاحتفالات الصاخبة التي ترافق العيد نجد هذه العادات التي تعكس هوية مجتمعنا التونسي".

ويأتي التشبث بالعادات والتقاليد خلال عيد الأضحى في ذروة أزمة اقتصادية ترزح تحت وطأتها البلاد، وهو ما قاد إلى ارتفاع جنوني في أسعار الأضاحي، ودفع كثيرين إلى الامتناع من شرائها لا سيما في ظل معدلات البطالة المرتفعة للغاية وانهيار القدرة الشرائية للتونسيين.

وتختلف هذه العادات من منطقة إلى أخرى، إذ يتم في بعض المناطق الاقتصار على إتلاف المرارة والالتزام بعادات أخرى مشتركة مثل تعليق قرون الأضاحي ونثر الملح على دمائها بعد الذبح.

وفي ظل الثورة الرقمية تزداد التساؤلات حول سر تشبث التونسيين بمثل هذه العادات على رغم الأزمة التي يعانونها وحالات التباعد الاجتماعي التي أفرزتها هذه الثورة، لكن الأهم حول ما إذا كانت ستستمر، لا سيما لدى الأجيال الجديدة والشباب.

صبغة تبجيل

يرى كثيرون أن هذه العادات أصبح لديها ما يشبه القداسة عند التونسيين بعد توارثها من قبل أجدادهم وآبائهم، خصوصاً في مناسبة دينية بقيمة عيد الأضحى.

وقالت القاصة والناقدة التونسية هيام الفرشيشي إن "لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تترسخ عبر العصور وتتوارثها المجموعات، إذ تستمر عبر المعتقد وكذلك عبر الطقوس التي تحفظ المجموعة من العين الشريرة، ويقع التبرك بها وبخاصة في إطار الاحتفالات الدينية، فلكل مجتمع طريقة في التعامل مع هذه المناسبات تجمع بين البهجة وتحصين أفراده من السوء".

وتابعت الفرشيشي لـ "اندبندنت عربية" أن "عيد الأضحى الذي تقدم فيه الأضحيات تقرباً لله استبدل فيه ذبح البشر إلى ذبح الخراف استناداً إلى القصة الدينية حول رؤيا الرسول إبراهيم وكيف عوض الله ابنه بالخروف إكراماً للإنسان، فقد كان التقرب للآلهة في بعض الحضارات القديمة يتم من خلال القرابين البشرية بما في ذلك الأطفال".

وأضافت، "الهدف من هذه المناسبات الدينية المرتبطة بالتعاليم السماوية أن تثير السعادة وتبهج الإنسان وتحول طاقات الحزن والألم جراء تقديم أضحية من البشر إلى ذبيحة يجري التصدق بجزء منها للمحتاجين، وتصاحب مراسم الذبح بعض التفاصيل التي تندرج في إطار التقدير الروحي للأضحية من بلد مسلم إلى آخر، ففي تونس إلى جانب البسملة يجري تبخير الأضحية وتسميتها باسم صاحبها".

ورأت الفرشيشي أن "الاحتفاء بالمرارة من خلال تعليقها على غصن شجرة أو على حبل الغسيل العالي يولد الاستبشار بخاصة مع المرارة الممتلئة، فهي تبشر بعام زاخر بالخير والأحداث الإيجابية، وهناك عادة تعليق قرون كبش الأضحية في بعض الجهات أو غمس اليد في دم الأضحية وطبعها على الجدار، وفي كل الأحوال فهي عادات تدل على البهجة والاهتمام أيضاً بما لا يؤكل على غرار المرارة والقرون، إذ تكتسي هذه الأشياء صبغة التبجيل".

الحلم بالأجمل

وتتابع أنه إضافة إلى ذلك فهناك من يزغرد على الخروف، ومن لا يقطعه إلا في اليوم الثاني، وهذه العادة مرتبطة بحال الطقس ودرجات الحرارة غير المرتفعة، وتسبق المرور إلى مرحلة الطبخ التي لها ميزة هي الأخرى في تونس، إذ إن هناك (غسيل الدوارة) وهي عملية يربطها كثيرون بالعروس الجديدة وتكون بمثابة اختبار لها، علاوة على (العصبان) وغيرها من الأكلات الشهية التي تجتمع حولها الأسر التونسية".

وقالت الفرشيشي إنه "بعد ذبح الأضحية يتم إيلاء الاهتمام لفن الطبخ من خلال أكلات خاصة مثل القلاية والكسكسي والعصبان، ويهتم الأطفال بالطبخ من خلال أوان وكوانين صغيرة، وتسمى أكلاتهم زقديدة".

واستنتجت الفرشيشي أنه "على رغم الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها التونسي والعولمة التي هدفت لتذويب هذه العادات الاجتماعية، فإنها مستمرة لأنها نتاج خبرات اجتماعية متوارثة تحقق حالاً من الحلم بالأجمل والتخلص من التوترات والضغوط، وهي في الآن نفسه تحقق الهوية الاجتماعية وتمثل مصدر انتماء للثقافة المحلية".