خدمات التوصيل في موريتانيا أبطالها الكسل والبطالة وكورونا

منذ 1 سنة 180

هدير محرك دراجة نارية يكسر صمت شارع داخلي في حي راق بالعاصمة نواكشوط، فطلبية الزبون وصلت وما زال أمام الشاب آمادو الشيخ (24 سنة) عدداً من مشاوير التوصيل لعملاء آخرين اختاروا التواصل معه لجلب وجباتهم بدل الذهاب إلى المطاعم.

ملاذ العاطلين

يخصص آمادو ساعات المساء للعمل في مؤسسة صغيرة لتوصيل الطلبات شأنه شأن كثير من أقرانه الذين اكتووا بنار البطالة التي تشير الأرقام الرسمية إلى بلوغها نسبة 37 في المئة من شباب موريتانيا.

دفع هذا الواقع الشاب آمادو إلى امتطاء دراجته ليلحق بركب العاملين في بيئة لا تشجع العمل الحر و"تفضل عليه العمل الحكومي"، بحسب آمادو الذي يستطرد "يوفر لي هذا العمل دخلاً في حدود 200 دولار شهرياً، أنفق منها على سكني ومعيشتي ودراستي التي ستكتمل بشهادة الليسانس في البيولوجيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعترف آمادو بمشقة العمل في شوارع نواكشوط التي يفتقر معظمها إلى الإنارة العمومية ويعاني مثل كل أصحاب الدراجات النارية رعونة سائقي المركبات وغلاء البنزين، بحسبه.

خدمات التوصيل المنزلي التي ازدهرت في موريتانيا خلال الأعوام الماضية، ترى ربة المنزل ميمونة أحمد أنها "أصبحت ضرورة في مدينة تكبر كل يوم ويحتاج المرء فيها إلى مقدمي مثل هذه الخدمات لتأمين أغراضه المختلفة".

تضيف ميمونة "تعاني الأحياء البعيدة من وسط المدينة غياب المطاعم والصيدليات والمحال الكبيرة، وتوفر لنا خدمة التوصيل إمكانية الاستفادة من أسعار وجودة هذه الخدمات التي لولاها لأصبح الحصول عليها ضرباً من العناء بسبب البعد وزحمة السير وضياع الوقت".

تآلف سكان العاصمة مع مشاهد أصحاب الدراجات النارية التي تجول في شوارع نواكشوط ليل نهار، معتمرين خوذاتهم ومعبئين صناديق دراجتهم بطلبات العملاء من طعام ودواء، في رحلة لا تنتهي إلا لتبدأ وكأنها سباق مع الزمن.

جنة الكسالى

صادفت خدمة التوصيل هوى في نفوس الموريتانيين الذين تمجد ثقافتهم الشعبية الأخذ بأسباب الراحة والدعة، ويؤصل الباحث الاجتماعي الطاهر عبدي تلك العلاقة بقوله "اعتاد الموريتانيون خلال رحلتهم النفسية والاجتماعية من البادية إلى المدينة على الكسل، فالصحراء الشاسعة تمنح الفرد كثيراً من الوقت الذي لا يتخلله عمل، والمهمات بسيطة وقليل من الجهد يكفي لإنجازها".

يتفق عبدالله الإمام وهو صاحب مؤسسة توصيل طلبات مع هذا الطرح، إذ يرى أنه يفاجأ أحياناً بطلبات يساوي سعر توصيلها ثمن البضاعة المطلوبة، مما يعكس شيوع ثقافة الكسل في أوساط العملاء".

تبرر ميمونة حاجة الناس إلى خدمات التوصيل بعامل الوقت، "فمعظم الطلبات تكون في أوقات متقدمة من الليل، مما يدفع العملاء إلى تفضيل هذه الخدمات، تفادياً للخروج في أوقات متقدمة ربما تنطوي على أخطار أمنية".

تطرح مشكلة العناوين معضلة لمؤسسات التوصيل، فغالبية الشوارع تحمل أسماء لا يعرفها الجمهور العادي، كما أن ضعف الإنترنت يؤثر في عمل التطبيقات الإلكترونية التي يستخدمها السائقون.

يلجأ أصحاب الطلبات إلى الاتصالات الهاتفية العادية مع السائقين ليساعدوهم في العثور على أماكن توصيلاتهم.

ويطالب الإمام "بتقوية خدمة الإنترنت لضمان إنجاز أعمالهم وعدم إضاعة الوقت وهو الرهان الأكبر لنيل ثقة العملاء".

يتسبب غياب منظومة عناوين متعارف عليها في ضياع كثير من جهد العاملين في خدمات التوصيل ووقتهم، كما أن وجود هذه المشكلة حرم أحياء في المدينة من خدماتهم، تفادياً للضياع الذي يصاحب المشاوير التي يسكن أصحابها في مقاطعات على أطراف المدينة.

سوق مزدهرة

على رغم التحديات التي تصاحب هذه الخدمة، فإن كثيراً من الشباب الموريتاني يقبل على خوض غمارها، يرد عبدالله الإمام ذلك إلى "سهولة الاستثمار في هذا المجال، فكراء مقر وشراء دراجات نارية واستقدام عمال شباب تؤمن لك التعامل مع المطاعم والصيدليات لتوصيل طلبات عملائها".

ويرى أنه "لو كانت معدلات الضرائب التي ندفعها للدولة أقل، لشهد قطاع التوصيل قفزة كبرى، وذلك ما نأمله مستقبلاً".

وأسهمت فترات الحظر والتباعد الاجتماعي التي طبعت فترة جائحة كورونا في اعتماد العملاء على خدمات هذه المؤسسات التي تؤمن لهم مستلزماتهم الحياتية من دون أن يغادروا منازلهم.