تاريخ الإضافة: 16/3/2025 ميلادي - 16/9/1446 هجري
الزيارات: 32
♦ الملخص:
شابٌّ تحدَّث مع فتاة لمدة ثلاث سنوات، وخدعها بشأن عمره وأحواله المادية، ولما قرر التوبة، تعلَّل لها كاذبًا بأنه سيتزوج، فحزِنت، وأخبرته أنها ستدعو عليه، مع أنه لم يصرِّح لها بحبه، ولم يعِدها بشيء، ويسأل: هل عليه إثمٌ؟
♦ التفاصيل:
أنا شابٌّ ملتزم، محافظ على الصلاة والذِّكر وتلاوة القرآن، كنت أتحدث مع فتاة لمدة ثلاث سنوات خادعًا إياها بشأن عمري وأوضاعي المادية، ولما قررت التوبة، كذبت عليها وأخبرتها أنني سأتزوج، فحزِنت وغضِبت وقالت لي: سوف أدعو عليك، مع أنني لم أكن أعلم أنها ستتعلق بي؛ فأنا لم أخبرها بحُبِّي لها قط، ولم أعِدْها بشيء، ولم يكن حديثنا إلا تسليةً، فهل عليَّ إثمٌ بسبب حزنها؟ وهل دعواتها أو دعوات أمِّها عليَّ تُستجاب؟ وهل التائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ وكيف يرتاح ضميري من هذا الذنب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فنرحب بك أخانا الكريم، ونشكر لك ثقتك في موقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يفيدك، وأن تجد بُغيتك، ونسأله أنيجنِّبك المعاصي، ويتوب عليك.
ذكرت أنك ملتزم بالصلاة، والذكر، والقرآن، ولا بد أن تنهاك صلاتُك، وذكرُك، وقراءتك للقرآن عن معصية الله سبحانه، فما قمت به أمر لا يُرضي الله، فلا يجوز للمسلم أن يكون على علاقة عاطفية بامرأة أجنبية خارج إطار الزوجية، حتى وإن كان القصد منها الزواج، أو التسلية؛ فما بُنِيَ على باطل فهو باطل، وأساس العلاقة خاطئ منذ البداية، فمن عمل هذا فعليه بالتوبة الصادقة النصوح، ابتغاءً لمرضاة الله، ولا تتصل بهذه الفتاة أو بأي فتاة مطلقًا؛ حتى لا تقع مرة أخرى في هذا الذنب، ولأنك تبت إلى الله من هذا الذنب، وأحسست بندمك، فأسأل الله لك الإعانةَ والثبات على هذه التوبة، ولا بد من استشعار فَدَاحَةِ هذا الذنب، والمساوئ التي نتجت عنه، نسأل الله تعالى أن يقبل توبتك، ويحفظك، ويبعدك عن الفتن.
وقد نهانا الشرع الكريم عن الكذب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))؛ [البخاري: 33]، وقد ذهب جمعٌ من الفقهاء إلى أن الكذب كبيرة من الكبائر، فينبغي عليك الابتعاد عن هذه الخَصلة الذميمة في أي تعامل.
وبالنسبة لهذه العلاقة التي استمرت ثلاث سنوات لساعاتٍ طوالٍ، فلها أثر سلبيٌّ عليك وعليها، حتى وإن لم تعلن لها الحب، أو لم تعِدها بشيء من ذلك، فمن خلال الحديث المستمر تتأكد العلاقة، وتصبح كأنها جزءٌ من حياتك وحياتها؛ مما سبَّب لها التعلُّق الْمَرضيِّ، وهو أمر يحتاج إلى زيارة الطبيب النفسي، وعمل بعض التدريبات السلوكية لعلاج هذا التعلُّق، وقد يسبِّب البُعدُ والفُراق ألمًا عميقًا، يؤدي إلى حالات نفسية متطرفة، وقد يصل إلى الاكتئاب، فليس الأمر سهلًا كما أوضحته في رسالتك السابقة.
ومن ناحية أخرى، فلا تعتبر أنت ظالمًا بمجرد تركك لهذه العلاقة، وقطعك لها، فهي أيضًا قد شاركتك في المعصية، وجَنَت على نفسها بتواصلها معك باختيارها؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، وإن كنت تخاف من استجابة دعوتها عليك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال يُستجاب للعبد، ما لم يَدْعُ بإثم، أو قطيعة رحم))؛ [البخاري: 5981]، فركِّز على التوبة، ولا تشغَل بالك بهذا الدعاء؛ لأن من علامات قبول التوبة أن يتحسَّن حالك؛ يقول سبحانه: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]، وتوفيقك للتوبة أمر جميل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب التوبة من عباده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وعندما يتوب الإنسان يغفر الله له جميع ذنوبه؛ يقول سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]، حتى وإن عمِل الإنسان أي معصية بجهالة، فإن الله يتوب عليه؛ يقول سبحانه: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]، وكلنا أصحاب ذنوب، والله عز وجل يسترنا بستره، بعد إنعامه علينا بالتوبة، ولكن الشيطان يسعى في أن يقنطنا من رحمة الله، وفي القرآن آية عظيمة تتحدث عن أنه حتى لو يشرك العبد، أو يقتل، أو يزني، ثم يتوب فإن الله يبدل سيئاته كلها حسنات، ويغفر له؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].
وهكذا جميع السيئات التي يتوب منها العبد، عندما يُتبعها بالإيمان، والعمل الصالح، فإن الله يبدلها له حسناتٍ فضلًا منه، وكرمًا وإحسانًا.
فأول ما تقوم به هو تحصين نفسك، والبحث عن زوجة؛ حتى لا تقع فيما وقعت فيه سابقًا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشرَ الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء))؛ [البخاري: 5065]، وعليك الإكثار من الاستغفار والتوبة؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، ولا بد من المداومة على فعل الصالحات؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
وعليك بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها؛ فلها أهمية كبيرة في الراحة النفسية؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ، فزِع إلى الصلاة؛ يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، فالصلاة أمرها عظيم إذا قُرِنت بالصبر، ولها تأثير عجيب على من يؤديها بخشوع وخضوع.
وفَّقك الله لكل خير، وأبعدك عن كل شرٍّ، ونسأل الله أن يديم عليك التوبة والهداية، وأن يرزقك بالزوجة الصالحة، وأن يحفظك بحفظه.