خالد مشعل... ليس الأول ولا الأخير

منذ 7 أشهر 99

بدل السعي لحقن الدماء في غزة، ووقف السعي لتحقيق انتصار وهمي عبر مزيد من الضحايا الفلسطينيين، يريد رئيس حركة «حماس» في الخارج، خالد مشعل، أن يوسع رقعة الحرب والموت.

عبر تقنية الفيديو، توجه مشعل إلى «إخوان» الأردن، بدعوة «جموع الأمة للانخراط في معركة طوفان الأقصى» مشدداً على ضرورة أن «تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين حتى تنال الشرف، وتحسم هذا الصراع لصالحنا بإذن الله تعالى».

كلام مشعل الذي عدّته عمّان تحريضاً خطيراً، يأتي بعد نحو 6 أشهر على حرب غزة التي أشعلها هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأدت إلى مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وتهجير معظم سكان القطاع إلى رفح على الحدود المصرية، وتدمير القطاع تماماً.

اللافت أن إيران لم تنخرط في هذه الحرب التي يفترض أنها -حسب مشعل- خطوة جبارة على طريق تحقيق النصر المبين. وحسب وكالة «رويترز» فإن في أول لقاء جمع بين رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في الخارج إسماعيل هنية، وبين المرشد الإيراني علي خامنئي، في طهران، طلب الأخير من ضيفه أن يُسكت الأصوات التي تدعو إيران إلى نصرة غزة وفتح الجبهات. صارح المرشد السيد هنية بأن «حماس» لم تستشر أحداً في الهجوم، وأن إيران لن تقاتل عنهم.

من جهته، اكتفى «حزب الله» بمناوشة إسرائيل عبر ردود غير متكافئة على الإطلاق مع حجم الهجمة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استباحت كل لبنان، وتقدمت كثيراً في مستوى استهداف الهيكل التنظيمي الميداني للحزب.

أما الميليشيات العراقية فتراجع انخراطها في حرب الإسناد، بعد أن تلقت ضربة أميركية موجعة قبل نحو شهر، استهدفت القياديين في «حزب الله»: العراقي أبو باقر الساعدي مسؤول الدعم اللوجستي، وأركان العلياوي مسؤول المعلومات، عبر هجوم بطائرة مُسيَّرة في بغداد.

بالتوازي، تقود ميليشيا الحوثي باسم حرب غزة حربها الخاصة في منطقة البحر الأحمر، بحجة نصرة غزة، من دون أن يكون لجهودها تأثير يذكر على مجريات الكارثة النازلة بالقطاع وأهله.

تتصرف إيران على أنها شريك في الأرباح فقط، من دون أن تكون شريكاً في الخسائر. وتسعى لحض «حزب الله» على عدم المغامرة بخطوات تلحقه بمصير «حماس» في غزة، مدركة أن الحزب رفع سقوف الخطابات والعنتريات قبل الحرب إلى مستويات ما عاد ممكناً بعدها الوقوف على جنب.

بإزاء تقاعس محور المقاومة إذن، تبرز دعوة مشعل الشاذة لتثوير الأردنيين وتحريضهم على دولتهم وأمنها واستقراراها، بينما لم يرد حتى الآن أي انتقاد يُذكر لمستوى الدعم المقدم من إيران وأدواتها في محور المقاومة.

على سطحها، تبدو هذه الدعوة نتاج اليأس الذي يلف واقع الحركة، بعد حرب غير مسبوقة عليها، وتخلٍّ غير منتظر من حلفائها. مصادر اليأس الكثيرة، بينها أن الرهانات الحمساوية سقطت تباعاً، من نظرية وحدة الساحات إلى نظرية الرهان على مناخات رمضان والاستثمار في مشاعر المسلمين، بهدف توسعة الحرب وفرض وقائع انتحارية على عموم أمن واستقرار الشرق الأوسط.

كأن «حماس» التي فشلت في إغراق إسرائيل بدماء أهل غزة، تريد الآن إغراقها بدماء مضافة، بدءاً من الأردن.

بيد أن للدعوة جذوراً أخرى تكمن في رهان بعض تنظيم «الإخوان» على استئناف حربه ضد النظام السياسي العربي بدءاً من الأردن وليس حصراً فيه. فبعد سقوط مشروع الحكم «الإخواني» في مصر وتونس، وتراجع التنظيم في المغرب، وانهيار رهاناته في السودان، والتفاف العراب التركي نحو مصالحات مع النظام السياسي العربي، تبدو حرب غزة نافذة جديدة يطل «الإخوان» منها، مدججين بخطاب المقاومة، ونظرية «وحدة الانهيارات» لا وحدة الساحات.

خالد مشعل ليس غبياً. فهو يعرف مآلات 7عملية أكتوبر؛ لكنه يشم في مآسي أهله في غزة رائحة فرصة سياسية للاتجار بالمقاومة والاستثمار في المصيبة. وإلا لماذا لم نسمع من مشعل تحريضاً لأهل الضفة الغربية على الالتحاق بالحرب المقدسة المجيدة التي يخوضها تنظيمه؟ ولماذا لم يستغرب بعد أن الضفة وأهلها العقلاء يحاولون الحفاظ على ما بقي لهم من بلاد يبنون على أرضها مشروعهم الوطني؟ ولماذا تسعى إيران جاهدة لقلب المعادلة في الضفة الغربية، وتضطر إلى تهريب الأسلحة إليها كما كُشف الأسبوع الفائت، ما لم يكن الخيار العسكري مخالفاً لقرار أهل الضفة؟

محاولات اللعب باستقرار الأردن لم تتوقف بأشكالها الكثيرة، من المُسيَّرات المفخخة والاشتباكات الحدودية مع تنظيمات ومهربين مرتبطين بإيران، مروراً بـ«غزوات الكبتاغون»، ووصولاً إلى استهداف ميليشيات عراقية للقواعد الأميركية على حدوده، وأخطرها الآن دعوات خالد مشعل للانخراط في حرب غزة، عبر الاصطدام بين الأردنيين ودولتهم!

محاولات «حماس» فتح جبهة الأردن بالقوة لعبة خطيرة، تتجاوز مجرد كونها استراتيجية عسكرية تهدف إلى توسيع نطاق المواجهة ضد إسرائيل. السعي لحشد الإسلاميين بحجة غزة وعلى حساب وحدة ورفاهية الأردن، استئناف مقيت للصراع الآيديولوجي داخل العالم العربي، ومعركة ممنهجة ضد معسكر السلام في المنطقة، وإبقاء العالم العربي ساحة بديلة تستثمرها إيران.

مع الأسف، لطالما ترافق الدفاع عن المظالم المشروعة للفلسطينيين مع سياسات يُتلاعب بها وتُستثمر في إثارة النزاعات العربية الداخلية وصراعات النفوذ الأوسع، وبإهمال متعمد للعواقب الفورية وطويلة الأمد على استقرار المنطقة وحياة الملايين. «حماس» ليست جديدة على هذا الملمح الخطير الذي ميز كثيراً من حقب العمل الوطني الفلسطيني. الجديد هذه المرة أن الفلسطينيين وحدهم من سيدفع ثمن تقويض آفاق السلام، والتلاعب بمصالحهم الأساسية من قبل ناطقين باسم مستقبلهم.