هناك أشخاصٌ لا يُكتب عنهم بمداد الكلمات، بل بحبر المشاعر التي تركوها في القلوب.
خالد العويفي الغامدي، كان واحداً من هؤلاء، رجلاً لم تكن الصحافة عنده مجرد مهنة، بل نافذة تطل منها روحه على الحياة، وفضاءً يمارس فيه إنسانيته قبل أن يمارس دوره ككاتب أو مسؤول. لم يكن مجرد اسمٍ في عناوين الصحف، بل كان قلباً يفيض دفئاً، وصوتاً لا يعلو إلا بحب، وظلاً وارفاً لمن حوله.
في «عكاظ»، حيث استهل رحلته، لم يكن مجرد محرر عابر، بل ابناً باراً لها، عاش تفاصيلها، ونسج علاقاته مع زملائه بروح الأخ والصديق قبل أن يكون الصحفي والإداري. لم يكن يرى الصحافة ساحة صراع، بل حديقة تُروى بالتعاون، وكان حضوره مثل نسيمٍ بارد في صيف العمل المتعب، يُخفف التوتر، ويرسم الابتسامة، ويمضي وكأنه لا يفعل شيئاً، بينما هو يفعل كل شيء.
وحين تسلم رئاسة تحرير «النادي»، لم تُغره الألقاب، ولم تغيره المناصب، بل ظل خالد الذي يُنصت للجميع، ويبتسم حتى وهو يُواجه أصعب القرارات، وكأن الحياة لا تستحق إلا أن تعاش بحب. لم يكن صارماً في الإدارة بقدر ما كان ليناً يضبط الأمور دون أن يُشعر أحداً بثقلها، قريباً دون أن يفقد هيبته، حاضراً دون أن يُرهق من حوله بوجوده.
لكنه، وهو الذي كان يجيد تهوين الأمور على الآخرين، لم يستطع أن يُهوّن على محبيه وقع الرحيل. في الثامن من رمضان 1444هـ غاب خالد العويفي، غياباً لا يشبهه إلا هدوؤه المعتاد، وترك خلفه أماكن كانت تضيء بوجوده، وقلوباً اعتادت أن تجد فيه ملاذاً لا يُستبدل. لم يكن وداعه مجرد لحظة عابرة، بل ثقباً في نسيج الذكريات، ووجعاً لا يُمحى بسهولة.
لكن القلوب التي أحبته تعرف أن بعض الأرواح لا تفنى، وأن من عاش نقياً يظل خالداً، ولو رحل جسده. سيبقى خالد العويفي في الحكايات التي تُروى عنه، في الضحكات التي زرعها، في اللحظات التي جعلها أخف، وفي كل قلب احتضنه يوماً بلطفه قبل كلماته.