ملخص
اللؤلؤ في حيدر أباد لم يكن يُستخدم في الحلي فقط بل يتم الاستفادة من خصائصه في العلاج أيضاً.
تاريخ تجارة اللؤلؤ في حيدر أباد يعود إلى 400 عام.
يتوسط عاصمة ولاية "أندرا برديش" الهندية وإحدى أكبر مدن الهند حيدر أباد ذات الغالبية الهندوسية، مبنى إسلامي تعلوه أربع مآذن على أركانها، ويعود تاريخها إلى القرن الـ16 ميلادي. ويعتبر "تشارمينار" أو "جهارمنار" معلماً لحيدر أباد ورمزاً للوجود الإسلامي في المدينة التي كانت مركزاً لتجارة اللؤلؤ في العالم.
تاريخياً، يحمل اسم حيدر أباد دلالة أكبر من كونها مجرد عاصمة إحدى الولايات الهندية، إذ كانت حيدر أباد ولاية مستقلة ومركزاً لحكم العائلة الآصفية لنحو 200 عام، وامتازت الولاية بثروتها وحضارتها ونهضتها حتى في العهد الإنجليزي، إذ كانت أغنى الولايات الأميرية في الهند البريطانية.
مدينة اللؤلؤ
وتتميز حيدر أباد بهوية فريدة في العالم وكانت ملتقى الحضارات في سابق الأعوام واشتهرت سابقاً بتجارة الألماس والجواهر حتى عرفت "بمدينة اللؤلؤ". يقول تاجر اللآلئ محمد زايد خلال حديثه لـ"اندبندنت أوردية" إن معلم "تشارمينار" كان مركزاً لتجارة المجوهرات وهو أكبر سوق اللآلئ في العالم حيث يوجد ما يقارب 2000 إلى 3000 متجر لؤلؤ. ويأتي السياح من جميع أنحاء العالم لزيارة "تشارمينار" ويشترون اللؤلؤ من الأسواق القريبة منها كتذكار وهدية لذويهم.
وبحسب محمد زايد علي فإن اللؤلؤ لا يحتاج إلى قطع وتحديد مثل بقية الأحجار الكريمة، بل يتم استخراجه من صدفة المحار بواسطة آلة وتنظيفه بعناية فائقة، ويوضح قائلاً "تأتي محار اللؤلؤ من الخارج إلى حيدر أباد حيث يتم استخراج اللؤلؤ وتنظيفه ومعالجته بأشكال مختلفة بمساعدة المعدات الخاصة".
ويخبر زايد أن اللؤلؤ في حيدر أباد لا يُستخدم في الحلي فقط، بل تتم الاستفادة من خصائصه في العلاج أيضاً.
درشهوار مع زوجها أعظم جاه وولديها (اندبندنت أوردو)
ويقول المؤرخ الشهير من حيدر أباد العلامة إعجاز فاروخ في حديث لـ"اندبندنت أوردو"، إن تاريخ تجارة اللؤلؤ في حيدر أباد يعود إلى 400 عام إذ بدأت باللآلئ التي كانت تأتي من مدينة عدن اليمنية، ثم توسعت بعد ذلك. ويضيف: "كان الحرفيون في حيدر أباد يتمتعون بخبرة عالية في معالجة اللؤلؤ وتصنيفه وحفره، لقد عرفوا فن ثقب اللؤلؤ، وبفضل ذلك ازدهرت هذه الصناعة هنا".
ويقول فاروخ إن ارتداء اللؤلؤ مع المجوهرات الماسية كانت عادة شائعة وكان يعتبر دليلاً على المكانة الاجتماعية الراقية للشخص، ويختلف استخدام اللؤلؤ في الحلي بحيدر أباد بحيث أن يكون اللؤلؤ مرصعاً بالذهب بخلاف الشائع وهو أن يكون الذهب مرصعاً باللؤلؤ.
"نظام" حيدر أباد
استقل حاكم ولاية حيدر أباد الذي كان يطلق عليه "نظام" آصف جاه قمر الدين بحكم حيدر أباد عام 1724 ميلادي، عن الحكم المغولي وأسس دولة مستقلة استمرت حتى تقسيم الهند عام 1948. وتمثل هذه الأعوام فترة مهمة في تاريخ حيدر أباد التي لم تصبح من أغنى الولايات في الهند فحسب، بل كان يرتبط حاكمها بعلاقات وثيقة مع العثمانيين.
وكان نظام حيدر أباد مير عثمان علي شخصية العام لمجلة "التايم" في عددها الصادر في 22 فبراير (شباط) 1937 التي نشرت صورة مير عثمان على غلافها وكتبت عنه أنه أغنى رجل في العالم، وأنه أعطى التاج البريطاني 100 مليون جنيه استرليني نقداً وآلاف الجنود خلال الحرب العالمية الأولى. ويعادل هذا المبلغ اليوم نحو ثلاثة مليارات دولار. ولك أن تتخيل أهمية هذا الرجل باعتباره أغنى رجل في العالم عندما تشاهد نفوذ شخصيات مثل إيلون ماسك أو جيف بيزوس أو ووارن بافيت اليوم.
ولم يكن "نظام حيدر أباد" غنياً فحسب، بل كان يحكم دولة تتألف من 562 ولاية وهي الأكبر مساحة بين الولايات الأميرية (تحت الحكم الإنجليزي) إذ كانت مساحتها تعادل مساحة بريطانيا العظمى.
ونظراً لمكانة والي حيدر أباد، فإن الخليفة العثماني عبد المجيد الثاني كان يكن له احتراماً كبيراً حتى أنه أراد أن يزوج ابنتيه باثنين من أبناء "نظام حيدر أباد". وكان الخليفة العثماني آنذاك قد رحل بعد سقوط الخلافة من تركيا مع نحو 150 من أفراد عائلته المالكة إلى مدينة نيس الفرنسية، حيث كان يعيش حياة فارهة ويتمتع على رغم انتهاء الخلافة بأهمية روحانية في العالم الإسلامي ويحظى بالمكانة نفسها التي يتمتع بها البابا اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأراد الخليفة عبد المجيد الثاني أن يزوج ابنته الأميرة درشهوار وابنة أخته سلطانة نيلوفر بإحدى العائلات الملكية العرقية، وطلبت الأسر الحاكمة في مصر وإيران يد ابنة الخليفة لكنه رفض ووقعت عينه على أبناء نظام حيدر أباد للمصاهرة.
ويقال إن أحد أسباب رغبة الخليفة بمصاهرة الحاكم الهندي هو قيمة ومكانة المسلمين الهنود في قلب الخليفة، لا سيما بعد "حركة الخلافة" الشعبية التي شارك فيها قادة الهنود باختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية من أجل بقاء الخلافة. والسبب الآخر هو أنه كان يرى أن "نظام" هو من يوازيه في المال والشأن، ويملك ثروة في كل أنحاء العالم، ويتصرف في مناجم الألماس والأحجار الكريمة التي أخرجت نوادر مثل "كوهينور".
وكان لدى "نظام حيدر أباد" مير عثمان علي ولدان، أعظم جاه ومعظم جاه، وكانت عائلة الخليفة على علاقة وثيقة بمولانا شوكت علي، أحد رموز حركة الخلافة في الهند، الذي كان يعلم أن الخليفة العثماني يبحث عن رجال أكفاء لابنتيه درشهوار وسلطانة نيلوفر. اقترح شوكت علي على "نظام" أن يرسل إلى الخليفة لطلب يد ابنته درشهوار، ووجد "نظام" هذا الاقتراح معقولاً لأن الخليفة كان يتمتع بمكانة عالية في العالم الإسلامي، إضافة إلى احتمال انتقال الخلافة إلى بيته في حال إتمام الزواج لأن درشهوار كانت ابنته الوحيدة.
وافق الخليفة على طلب الزواج عندما عرض شوكت علي عليه الأمر نيابة عن مير عثمان، وتم تحديد زواج درشهوار من أعظم جاه وزواج سلطانة نيلوفر من معظم جاه. وكان الخليفة حينذاك يتلقى منحة شهرية قدرها 300 جنيه استرليني من "نظام حيدر أباد"، كما أن لجميع أفراد عائلته منحاً مخصصة أيضاً.
بنات الخليفة في حيدر أباد
تم عقد قران ابنة الخليفة الوحيدة درشهوار وابنة أخته سلطانة نيلوفر في مدينة نيس الفرنسية، عام 1931. ويحكى أيضاً أن العائلتين اتفقتا على زواج درشهوار فقط في بداية الأمر، لكن مير عثمان طلب يد نيلوفر أثناء الاستعدادات للزواج لابنه الأصغر معظم جاه وعقد مولانا شوكت علي قرانهما معاً في جلسة واحدة، ثم عقدت احتفالات الزفاف في الهند.
وكان مجيء بنات الخليفة في مدينة محافظة مثل حيدر أباد حدثاً جللاً لأهل المدينة، إذ كان الطابع الديني والمحافظة على الحجاب سائدين في المدينة، بينما كانت الفتيات العثمانيات متعلمات ومهتمات بالقضايا العامة وأردن تعليم الفتيات، وكانت درشهوار تجيد اللغة الفرنسية والإنجليزية والتركية، وسرعان ما أصبحت متمكنة من اللغة الأوردية أيضاً. كما أنها كانت أطول من زوجها أعظم جاه، ولو وقف الزوجان معاً يصل جاه إلى حد كتف زوجته. ونظراً لطبيعة العلاقة وطبع الفتيات، أعفى مير عثمان الفتيات من شرط الحجاب وسمح لهن بلعب التنس والفروسية، كما كانت الفتيات يذهبن إلى أوروبا بين حين وآخر حيث كن يشترين النوادر لمتحف "نظام حيدر أباد".
وكانت السلطانة نيلوفر هي من ابتكرت التصميم البناراسي المعروف إلى اليوم للزي النسائي الهندي التقليدي "ساري"، والذي سرعان ما أصبح شائعاً في جميع أنحاء الهند، كما انخرطت نيلوفر في العمل الاجتماعي وقامت بزيارة المعسكرات التي أقيمت لضحايا الحرب العالمية الثانية. وافتتحت درشهوار مدرسة للبنات في حيدر أباد وأنشأت مستشفى عاماً باسمها وافتتحت أول صالة لمطار حيدر أباد في عام 1936.
نهاية غير سعيدة
وعلى رغم انخراط العثمانيات في شؤون حيدر أباد العامة وإنجاب درشهوار طفلين، إلا أن الفجوة الثقافية بين العائلتين لم تنته حتى انتهى زواجهما بالطلاق. ونقلت مجلة "تايم" أن الأمير أعظم جاه عندما سئل عن الزواج في سباق الخيل في اسكتلندا أجاب: "أنا أحب الخيول فهي أكثر وفاء من النساء، إذا سقطت عن صهوة الجواد لن يتركك حتى تقف على قدميك مرة أخرى".
بقيت درشهوار في الهند بعد الطلاق لبعض الوقت، ولكنها انتقلت بعد ذلك إلى لندن مع أطفالها. وتلقت اهتماماً إعلامياً كبيراً عند زياراتها للهند بعد ذلك. توفيت درشهوار في عام 2006 عن عمر يناهز 93 سنة، وكان زوجها أعظم جاه قد توفي في عام 1970.
وكما هي الحال مع درشهوار، فإن زواج نيلوفر لم يستمر طويلاً أيضاً، وكان السبب الرئيسي لذلك هو أنها لم تنجب أطفالاً. وعندما تزوج معظم جاه امرأة أخرى عام 1948، تركت نيلوفر حيدر أباد لتعيش مع والدتها في فرنسا. وقامت نيلوفر ببناء مستشفى للنساء والولادة في حيدر أباد من الأموال التي حصلت عليها بعد الطلاق. وقد عرض على نيلوفر العمل في أفلام هوليوود، وقد تزوجت في عام 1963 من رجل الأعمال الأميركي ومنتج الأفلام إدوارد جيه بوب، وتوفيت في باريس عام 1989 لتسدل الستار على قصة مصاهرة العثمانيين لنظام حيدر أباد.
نقلا عن "اندبندنت أوردو"