حياتي كانت أكثر إثارة عندما كان لدي عدو أركز عليه

منذ 1 سنة 120

مرت نحو ثلاث سنوات كاملة منذ توقفت عن العمل بدوام كامل في شركة كبيرة. تحسن وضعي المادي لأنني ما عدت أستقل وسائل النقل العام، وخسرت وزناً لأنني ما عدت آكل قطعة حلوى من كعكات أعياد الميلاد كل ثلاث ساعات ولأنني ملك التسويف في العمل- أصبحت غلايتي أنظف من أي وقت مضى. لكنني أدركت في الآونة الأخيرة بأنني أفتقد شيئاً. يمكنني أن أشعر بأنني أفقد براعتي. في ظل الراحة الهانئة لهذا الوضع العادي الجديد، بدأت أفتقد إلى الكراهية المجردة والمتقدة التي كنت أكنها لزميل عمل سابق- وإلى الطريقة التي كان يثير فيها غضبي بشكل مفيد، مثل الليفة الخشنة التي لا تخدش الغلايات.

لم تحدث أي مواجهات بيني وبين هذا الشخص، ولا يوم. لكنني كنت أمقت كل ما يتفوه به، ويقوم به، ويفكر به. اعتدت على كسر أقلام الحبر الجاف تحت مكتبي كلما نطق في الاجتماعات وكنت أتخيل نفسي دائماً وأنا أتشاجر معه قبل أن أستسلم للنوم. كما كنت أرغب بكل وضوح بأن أؤدي عملاً أفضل منه، وعلى رغم أن الاعتراف بهذا الأمر ربما آلمني، فالعذاب الشديد الذي شعرت به لمجرد اضطراري إلى تشارك المنظومة الشمسية نفسها معه حفزني -في الحقيقة- للتقدم كثيراً في مساري.

ينشأ التنافس بين البشر كل الوقت في أماكن العمل، حتى في المجالات التي قد لا تتوقعها أبداً. مثلاً، فيما غالباً ما يتفق النواب من الأحزاب المتنافسة إلى درجة كبيرة في الحياة الواقعية، من الغريب بأن المعروف عن مقدمي برامج الأطفال أنهم أقسى وأكثر إيلاماً من مجموعة قراصنة. كما نخلق عداوات تزيد من حدة آرائنا السياسية، أو أقله هذا ما يشجعنا عليه الاستقطاب المتزايد في الإعلام- من قناة البث "جي بي نيوز" GB News على اليمين، إلى موقع "نوفارا" Novara الإلكتروني على اليسار.

ومع أننا نعلم بأن الحب هو الأساس وهو أهم ما في العالم، أعتقد على مستوى شخصي وفردي بأن الكراهية تحتل مكانة مفيدة فعلاً في نفسيتنا أحياناً. غالباً، أتفه وأصغر الأمور هي التي تثير حفيظة الناس، تماشياً مع ما اعتبره فرويد "نرجسية الفروق الصغيرة". ولأنني أقيم على جزيرة صغيرة غريبة الأطوار تُسمى بريطانيا العظمى، لا يمكنك تخيل عدد الأشخاص الذين يحملون ضغائن استثنائية مبنية على أتفه الأمور. مثلاً، لن أنسى أبداً لقائي بسيدة لطيفة ومهذبة في سبعينيات العمر، طورت ببطء كراهية شديدة لزميلة عضو في مجموعتها النسائية المحلية. وانقضت عليها مثل وحش كاسر على فريسته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يجب أن يكون العدو الإيجابي والمنتج شخصاً بعيداً منك كي تثمر المنافسة فعلاً. أتشاجر مع صديقي المقرب كل الوقت مثلاً، لكننا لسنا أعداء. لا شك في أننا قد نبدو كذلك في العلن- وأحد الأمثلة على ذلك، رحلتنا الأخيرة على متن القطار فيما كنا نعاني من آثار الثمالة، ونجحنا بشكل ما في التشاجر حول نيكولا ستورجن ولم نخاطب بعضنا البعض طيلة ثلاث ساعات. لكننا نعرف في قرارة أنفسنا بأننا سوف نتصالح دائماً، وهو ليس الحال مع عدو جيد حقاً.

قد يبدو أمراً شديد الغرابة أن تعترف بوجود عدو أو خصم فعلي لك، لكن ما عليك سوى أن تسأل من حولك: إنه أمر أكثر شيوعاً مما يروق لنا أن نعترف. وبالنسبة إلى هذه المجموعة التي يتجاهلها المجتمع، فلا شيء يعطيها القدرة على التركيز وحشد طاقتها وشحذ ذهنها أكثر من الخلاف مع عدو جدير بالخصومة. فهذه الدينامية تولد حساً بالطموح والتحفيز غالباً ما يغيب عن فقاعة أماكن العمل اللطيفة وغير الناقدة. وهي قادرة على إغاظتك إلى حد يدفعك إلى تحقيق إنجاز فيما كان كسلك وتراخيك ليمنعانك من تحقيق أي شيء ربما (ولو أن غلايتك تلمع كالمرآة وخالية من الكلس). وحتى عندما يكون النجاح عاملاً، إن اعتبرنا مثلاً بأنك ترى أحد خصومك وقد وصل إلى شكل من النجاح لم تتمكن أنت من بلوغه، فربما يشكل هذا سبيلاً لكي يجعلك ترى الموقع الذي بلغته في الحياة- والموقع الذي تريد بلوغه.

وفي حالات أقل ومضبوطة جداً، وجدت أيضاً بأن الغيرة من وقت إلى آخر أمر إيجابي جداً في العلاقات الجنسية كذلك. إنه أمر لا يناسب الجميع، لكنني أعتقد بأنها تجربة أكثر شيوعاً مما نعتقد. لا شك في أن اللعب بهذه الدينامية يؤجج الانفعالات النارية وقد يكون مهلكاً. لكن إن تعاملت مع الموضوع بطريقة جيدة وغير سامة، في ظل وجود تواصل ممتاز، فإن بث الحماسة في شخص من خلال عنصر ثالث هو الخصم، قد يحفز الأشخاص في إطار العلاقات لكي ينجزوا أموراً مذهلة.

اكتسب مفهوم الخصم أو العدو سمعة سيئة عبر التاريخ. لكن أيام المبارزة بالسيف مع أعدائنا في المرج قد ولت منذ زمن بعيد. في أيامنا هذه، لو كان لديك غريم معروف، أسوأ ما قد يحدث هو أن يرسل لك أصدقاؤك صوراً عن منشوراته الغبية على وسائل التواصل الاجتماعي كل اليوم. عوضاً عن ذلك، أعتقد بأنه من المفيد أن تتقبل الحماسة التي يبثها فيك وجود خصم جيد- لئلا ينتهي بك المطاف بلا شيء سوى غلاية نظيفة جداً.