في أوائل التسعينات، كان من الصعب أن نتصور حلول وقت يتوق الناس فيه إلى ارتداء ملابس كاملة من الجينز، أو الهالة التي أحدثتها موسيقى «غرونج روك أو صوت سياتل»، والشعر الأشقر الذي اشتهر به الممثل إيثان هوك في فيلم «ريالتي بايتس» لعام 1994. لكن الأمر الأكثر غموضاً؛ أنه ستتحرك أي عاطفة لأي شيء يتصل بالصوابية السياسية لتلك الحقبة الوليدة مع ميلها إلى كلمات نسوية مثل «المرأة» وغيرها من الجهود المثالية، وإنما غير المدروسة جيداً في كثير من الأحيان لإعادة تصور القاموس اللغوي.
مع ذلك! في أعقاب المناسبة الثلاثين للالتقاء بجامعة براون في مايو (أيار)، وهي المكان المعروف بالفكر الصحيح سياسياً في تلك الآونة، صارت الدوافع الانفعالية الناشئة عن الصوابية السياسية تبدو لطيفة من زاوية سلامتها النسبية. في ذلك الوقت، كانت طقوس تنقية الكلمات تجري كلها في حالة من المرح الجيد، أو على الأقل من صناعة المرح الجيد. قدمت سلسلة «ثاتش» للرسوم الهزلية الأكثر شعبية في صحيفة «ذي براون ديلي هيرالد»، للقراء شخصية البطل المزيف السخيف، الرجل الصواب السياسي - التي عُدلت على الفور إلى الشخصية الصحيحة سياسياً - ذلك لأن «العالم يحتاج إلى شخص يرشده من خلال هذا التغيير في الأدوار، والصراع بين الجنسين، وأوقات انهيار جدار برلين». (إذ كان عدوه اللدود: الرجل عديم الإحساس).
حتى في ذروته، كانت الصوابية السياسية لحقبة التسعينات على الأقل بنفس القدر من السخرية الذاتية كحركة يجب أن يُحسب لها الحساب. وباستثناء ممارسيها الأكثر جدية - المعزولين استراتيجياً داخل أقسام علم الدلالة ومباني الطلاب الخريجين - اعتبر الطلاب من كل أنحاء الطيف السياسي أن الصوابية السياسية بدعة عابرة أو محاولة للتباعد الأكاديمي، بدلاً من التوصية الفعلية لكيفية التناغم مع الذات في الأماكن العامة. قد يكون بوسعك ارتكاب أعمال أشبه بالجمباز اللغوي (فتشجب على سبيل المثال «خطاب الهيمنة الذكورية الرأسمالي») إذا كانت الروح هي التي تحركك، ولكن لم يخطر على ذهن أحد أن هذا قد يدفعك إلى فعل ذلك.
خارج الحرم الجامعي، بدت الثقافة متوافقة. كان الناس من كل الأعمار يتجولون وهم يعلنون بصراحة أن كل ما يقولونه من كلام ينطوي على تناقض بسيط «غير صائب سياسياً»، ولا لشيء سوى الضحكات من دون خوف من مضايقات الشرطة اللفظية. ولم يكن ليقلق إلا قلة من الناس بشأن الإبلاغ عن فترة غير مواتية، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم وجود وسائل الإعلام الاجتماعية حتى وقتذاك، ويرجع ذلك جزئياً إلى انشغالهم البالغ في الخروج برد سريع غير صائب سياسياً.
في عام 1992، نشر اثنان من مؤلفي مطبوعة «هارفارد لامبون» الساخرة، هنري بيرد وكريستوفر سيرف، «القاموس والكتيب الرسمي الصائب سياسياً»، الذي مزج بين المصطلحات الفعلية لمعتقدات الصواب السياسي الشخصي التقليدية والمصطلحات الخيالية بطريقة تجعلك غير متأكد من كون أي منهما حقيقياً أم مزيفاً: الاستيعاب، والمركزية الكربونية، وغير الملائم كيميائياً، والعفيف المغاير جنسياً، والهومين (الإنسان)، والكرسي؟
بعد ثلاثين عاماً، وعلى موقع «أمازون»، منح أحد الزبائن تقييماً مقلقاً بنجمة واحدة فقط لذلك الكتاب، مشيراً إلى «أنك ستقع في ورطة أكبر باستخدام هذا الكتاب مما كنت عليه من قبل». لم تعد هذه الحساسيات مادة للضحك. بل هي أداة للقصاص الأخلاقي.
لكن بالعودة إلى عام 1993، العام الذي تخرجت فيه من الجامعة، لم نستطع فهم مثل هذه الرقابة. كان ذلك العام الذي قدمت فيه شبكة «كوميدي سنترال» البرنامج الحواري السياسي «بوليتيكال إنكوريكت: غير صائب سياسياً»، الذي يقدمه بيل ماهر. بعد أربع سنوات، انتقل البرنامج إلى شبكة التلفزيون - شبكة التلفزيون! - عندما بثته قناة «إيه بي سي» حتى اعترض المعلنون على التعليقات التي أدلى بها بيل ماهر حول 11 سبتمبر (أيلول). وكان الشاهد أن النزعة الوطنية منقوصة.
التعبير عن المشاعر المعاكسة اليوم هو ما قد يوقعك في ورطة عندما تكون مجرد الإشارة إلى نفسك بأنك «أميركي» لا تعني سوى أنك «إمبريالي: استعماري».
من الواضح أن الناس فقدوا حس الفكاهة لديهم.
عالم من دون فكاهة هو عالم فيه القليل للغاية من المرح. كما أنها تفتقد إلى روح الدعابة الباعثة على الارتياح. الهدف الأعم من الكوميديا هو بمثابة اللكزة حينما تكون الأمور أكثر إزعاجاً، وجعلنا نضحك على ضعفنا وتجاوزاتنا، والجدية الذاتية وحدها المتمثلة في الصوابية السياسية المعاصرة تستجدي السخرية من الناحية العملية. واليوم، يبدو أننا نخلط بين الفكاهة والجدية المبالغ فيها.
غالباً ما يُطلب من الجمهور في العروض الكوميدية الآن التحقق من هواتفهم الجوالة. ربما يجري ذلك لمنع التسجيلات غير القانونية، وأيضاً لتجنب نوبات الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب النكات المجردة. هذا أمر حكيم بالتأكيد. وقد تحولت اقتراحات أوائل التسعينات المثالية أولاً إلى مبادئ توجيهية قضائية، ثم إلى قواعد صارمة تستحق انتهاكاتها فرض العقوبات القاسية. وهذا لا يترك مجالاً كبيراً للعب بالكلمات، سواء لاستثارة ضحكة مكبوتة أو لطرح نقطة أكثر عمقاً.
أي ضحك باهت يبقى؟ في الوقت الحاضر، يمكن لمنتقدي التجاوزات المُتَفَلسِفة للصوابية السياسية أن يكونوا أكثر حدة من أنصارها. السخرية من الصوابية السياسية (الجهود المبذولة لعدم الإساءة) أمر، وإلقاء النكات اللاذعة الصريحة (الجهود المقصود منها الإساءة) أمر آخر تماماً. في المنافذ الإعلامية اليمينية مثل «فوكس نيوز» و«ديلي كولر»، تعد اللهجة أكثر غيظاً واستهزاء، من كونها تهكمية ومتكلفة - إنهم يهاجمون العدو بدلاً من إدراك حماقتهم الذاتية.
على الجانب الآخر من الطيف السياسي، يقاوم بعض النقاد الصوابية السياسية اليوم، ولكن ليس من قبيل المصادفة أن تبقى الحساسيات بشأن من يمكنه السخرية من ماذا. «مسرحية عيد الشكر»، المسرحية الساخرة من التقدمية البيضاء الأدائية للكاتبة المسرحية لاريسا فاستورس، من أبناء قبيلة «سيكانغو لاكوتا» الأميركية الأصلية، عُرضت للمرة الأولى على مسارح برودواي في أبريل (نيسان)، بعد أن صارت واحدة من أكثر المسرحيات المنتجة على نطاق واسع في الولايات المتحدة. تسخر المسرحية من مجموعة من أربعة أشخاص من ذوي البشرة البيضاء في كل ما لديهم من غطرسة وقلق واضح، وهم يحاولون تقديم مسرحية مدرسية راقية عن الأميركيين الأصليين، والتي لا تعرض شخصية واحدة من الأميركيين الأصليين!
تشير بعض الدلائل إلى أن الإرهاق يبدأ في الظهور عندما يتعلق الأمر بالصوابية السياسية. وفي استطلاع أجرته مؤسسة «بيو» عام 2020، قال 57 في المائة من المواطنين الأميركيين إن الناس اليوم يشعرون بالإهانة بسهولة بالغة إزاء ما يقوله الآخرون. لكن الفجوة بين أولئك على تيار اليسار وأولئك على تيار اليمين من بين الذين يعتقدون أن الناس لا بد أن ينتبهوا لتجنب الإساءة إلى الآخرين بكلامهم كانت كبيرة، إذ بلغت نسبتها 42 في المائة، مع أن أغلب تيار اليسار يفضلون ضبط النفس.
* خدمة «نيويورك تايمز»