صعد الجنرال السوداني حميدتي، من بدايات متواضعة لقيادة ميليشيا عربية مرهوبة على نطاق واسع، وسحقت تمرداً في دارفور، والآن يكتسب نفوذه من قوات الدعم السريع التي تقدّم نفسها على أنها تقاتل من أجل الديمقراطية نيابة عن كل المهمشين. فهل أصبحت الحرب في السودان بين نخبة تقليدية وشرائح مهمشة تعيش في الأطراف؟
يرى خبراء أن من الأسباب التي تقف وراء الحرب الدائرة في السودان، انقسام السودانيين بين نخبة تقليدية احتكرت الموارد والقوة في العاصمة ووسط البلاد، وشرائح مهمشة تعيش في أطرافها وأريافها.
ويتجلّى هذا الفارق بوضوح بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف "بحميدتي"، الرجلان اللذان يقودان طرفي النزاع.
ولد البرهان شمال الخرطوم ودرس العلوم العسكرية وأصبح جندياً محترفاً، ولكنه يفتقد إلى قوة الحضور، بينما ينتمي الثاني إلى قبيلة من منطقة غرب دارفور النائية على الحدود مع تشاد.
بدأت مسيرة دقلو كزعيم لميليشيا الجنجويد التي أطلقها البشير لقمع تمرد جماعات الأقليات العرقية في دارفور، وتدريجياً شق دغلو طريقه إلى أعلى مراتب السلطة في العاصمة، رغم ما تعرّض له من سخرية بين النخبة بسبب افتقاره إلى التعليم الرسمي.
ويقول آلان بوسويل، العضو في مجموعة الأزمات الدولية، إن الحرس القديم المتمركز في الخرطوم "ينظر إلى حميدتي على أنه سفاح أمّي مغرور سلّحه لأول مرة للقيام بعمله القذر" في دارفور.
لكن منذ ذلك الحين، أصبح دقلو خصماً مخيفاً، يتحلّق حوله مرتزقة وحراس خاصون ومقاتلون قبليون أو مدربون أجانب، يجذبهم الربح الكبير والذهب، حيث تدير عائلة دقلو جزءاً كبيرا من مناجم الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر في إفريقا.
ويقول مارك لافيرن، المتخصص في شؤون قرن إفريقيا والشرق الأوسط، إنه منذ أيام الحكم البريطاني، "تمركز المجتمع السياسي السوداني في وادي النيل والخرطوم، وتم تهميش المناطق الأخرى"، ويضيف لافيرن قائلاً إن "هذه المناطق النائية لديها اليوم أغنى الإمكانيات"، في إشارة إلى مناجم الذهب في دارفور وأماكن أخرى، والتي أسس منها دقلو إمبراطورية عسكرية واقتصادية.
كما خلص تقرير صادر عن معهد "ريفت فالي" إلى أنه نتيجة لذلك "لم تعد قوات الدعم السريع ميليشيا محلية، بل أصبحت قوة قتالية فعّالة ومدربة تدريباً جيداً، يمكّنها من منافسة القوات المسلحة السودانية. لذلك "يمثّل الصراع الحالي معركة بين النخبة العسكرية السياسية من الوسط ونخبة عسكرية ناشئة من دارفور، وهي مرحلة جديدة في الصراع بين المركز والأطراف".
وفي سياق آخر، يرى البعض أن عدم المساواة بين وسط وأطراف البلاد مرتبط أيضًا باللون، وكتب الباحث البريطاني أليكس دي وال في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" قائلا: "إلى الآن، يمتلك السودانيون معجما للون البشرة يتدرّج من الأحمر والبني إلى الأخضر والأصفر، إلى الأزرق...لا يزال يُطلق مسمّى العبيد على سكان الجنوب، أصحاب البشرة الداكنة".
لكن بحسب الخبراء، كانت قوات الدعم السريع تقدّم نفسها على أنها تقاتل من أجل الديمقراطية، نيابة عن جميع المهمشين في البلاد، لكن بمجرّد اندلاع الحرب، تسببت في الكثير من المتاعب لسكان الخرطوم، وأثبتت أنها أقل انضباطاً بكثير من الجيش النظامي، إذ توالت التقارير التي توثق اعتداءات على المدنيين وعمليات نهب واقتحام المنازل.
ويحذر الخبراء من أن الصراع الطويل من شأنه أن يعمق الانقسامات العرقية والانتماءات القبلية، التي تشكلت على أساسها العديد من الميليشيات الموجودة في السودان.
ويلوح في الأفق خطر تعميق الصراع العرقي في السودان، الذي لطالما استغلّ حكامه التفاوتات الاقتصادية للغزو والتقسيم، بين المركز والأطراف، وبين الشمال والجنوب، وعلى أساس لون البشرة.