تسميته تثير الفضول والروايات تزيده جذباً، إنه الحمام المعدني "المسخوطين" في الجزائر الذي بات قبلة الزوار من داخل البلاد وخارجها، لا سيما أنه الثاني عالمياً سخونة بعد ينابيع آيسلندا، بحيث تبلغ حرارته 96 درجة مئوية، كما تستهوي شلالاته الغزيرة وشكل صخوره البنية وسحب البخار المتطايرة كل سائح.
يعد حمام "المسخوطين" من أشهر الحمامات المعدنية في العالم لما يتميز به من مياه ساخنة جداً تتدفق من باطن الأرض وهو يقع على بعد 25 كيلومتراً من مدينة قالمة، شرق الجزائر، وبقدر الخصائص العلاجية لمختلف الأمراض التي تجلب مزيداً من الزوار، تبقى تسمية المعلم تصنع الحدث وهي تسافر بكل مستمع نحو عهد بعيد من الماضي الخرافي.
الروايات تعددت في شأن تسمية "المسخوطين"، إذ تذكر بعض المراجع التاريخية أن سكان المنطقة كانوا يستعملون في علاجهم المسك والطين، إضافة إلى مياه الحمام الساخنة، الأمر الذي دفع الاستعمار الفرنسي إلى جمع مفردتي "المسك" و"الطين" في كلمة واحدة، فكان النطق بـ"المسكوتين" بالنظر إلى صعوبة إخراج الكلمتين بشكل صحيح لدى الفرنسيين، فجاءت تسمية "المسخوطين".
"غضب الله"
لكن سكان مدينة قالمة لهم رواية أخرى وهي أن الأمير "سيدي أرزاق" الذي ينتمي إلى إحدى القبائل القوية قرر أن يتزوج أخته "يامنة" التي سحرته بجمالها، وعلى رغم مواجهته معارضة شديدة من حكماء عشيرته وشيوخها على اعتبار أن هذا الأمر يعدّ تجاوزاً صارخاً للأعراف والتقاليد، إلا أنه تمسك بقراره غير مكترث لرفض المعارضين الذين غادروا القبيلة تعبيراً عن استيائهم واستنكارهم لما سيجري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما تجري مراسيم حفل الزفاف بحضور القاضي وبعض سكان المنطقة، وعلى حين غرة، تدفقت الحمم من باطن الأرض وحولت "يامنة" و"أرزاق" إلى صنمين وبقية الحضور إلى كتل كلسية متحجرة في مشهد تصفه الرواية بأنه غضب من الله بسبب ما اقترفوه من معصية، وربما ساعد على الترويج لتلك الرواية وجود الصخور المخروطية المنحوتة في قلب شلالات الحمام، إضافة إلى وجود مكان بالقرب منه يسمى منطقة "العرايس".
الثاني عالمياً بعد ينابيع آيسلندا
مع الاقتراب من حمام "المسخوطين"، تشد انتباه كل زائر تلك الصخور الكلسية متعددة الألوان من الحجر الجيري وهو يحاول تصور أشكال البشر الذين مسخوا، وفق الأسطورة التي لا تزال تتداولها الأجيال إلى يومنا، على رغم أن علماء الجيولوجيا يؤكدون أن الصخرة العملاقة وتوابعها عبارة عن ترسبات كلسية تراكمت عبر ملايين السنين.
الحمام الذي يتصاعد بخار مياهه ويُرى من مئات الأمتار بسبب حرارتها التي تتجاوز 96 درجة والتي جعلتها الثانية عالمياً من حيث السخونة بعد ينابيع آيسلندا، يعتبر مقصد كثير من الجزائريين الذين يعانون بعض الأمراض المزمنة كالروماتيزم وضغط الدم وأمراض الجلد والحساسية وغيرها. هو في الواقع مجموعة من 10 ينابيع ساخنة مختلفة تنبع من واد واحد، حيث يبلغ معدل تدفقها الإجمالي 1650 ليتراً في الثانية.
ولا تزال المعتقدات والخرافات تسيطر على عقول المحرومين من الإنجاب وتستمر الطقوس من أجل تجاوز العقم بعد أن تحول الحمام إلى مقصد هؤلاء، إذ تقوم المرأة بالاغتسال ثم التوجه إلى امرأة مسنة يطلق عليها "الماسدة"، تحجز مكاناً لها في إحدى الزوايا بين الصخور الكلسية وتعمل على مساعدة الراغبة في الإنجاب عبر تحضير خلطة من الأعشاب الطبية واتباع منهجية خاصة في العلاج إلى أن يتحقق الحمل، في حين تغتسل أخريات للتخلص من تعطيل الزواج المعروف بالمفهوم الشعبي بـ"الثقاف"، كما يعتقد زائر حمام "المسخوطين" بأن العين الحارة تشفي الصبيان والفتيات من إصابات الحسد والعين، إذ يكفي الاغتسال حتى يشفى "المعيون".
تسميات وأرقام
وأطلقت السلطات الجزائرية تسميات أخرى غير "حمام المسخوطين" منها "حمام دباغ" و"حمام الشلالة" أو "الجوهرة"، رغبة في درء الخطيئة التي وصمت المنطقة بسبب أسطورة "السخط" المتداولة بين الأجيال المتعاقبة إلى غاية اليوم. ويقول الباحث في الجيولوجيا محمد شرقي إن التكوين الجيولوجي للمنطقة يعود لنحو 150 مليون سنة وتسببت الحركات والتغيرات الطبيعية في ظهور مجموعة من الينابيع الحارة التي أصبحت تشكل ظاهرة متفردة بالجهة.
وأشار شرقي إلى أن عمق الينابيع يمتد على مسافة تقدر بنحو 10 كيلومترات في باطن الأرض، وتبعاً لهذا العمق تزداد درجة حرارة المياه بمقدار 10 درجات مئوية مع كل كيلومتر، مضيفاً أن مياه الحمام غنية بالأملاح والعناصر المعدنية، إذ إنها تتوافر على ما يفوق الـ20 عنصراً من بينها الحديد والكبريت وهذا ما يعزز قيمتها العلاجية التي اشتهرت بها في معالجة الضغط الدموي والأمراض الجلدية والعظام وغيرها، إلى جانب جمالية الأمكنة التي تنساب بينها المياه.