«حماس» وتيارات الإسلام السياسي

منذ 9 أشهر 136

تُعد «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) جزءاً من فصائل الإسلام السياسي في العالمَين العربي والإسلامي؛ لكنها في الوقت نفسه حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبنت نموذجها من خلال قدراتها المقاومة التي أصبحت نقطة تميزها مقارنة ببقية الفصائل الأخرى.

وسيبقى السؤال حول تأثير حركة «حماس» بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) على تيارات الإسلام السياسي حاضراً، وهل ستعتبر هذه التيارات أن صمود الحركة لأكثر من 4 أشهر بطولة ونموذج يُحتذى يقوي من حضورها؛ خصوصاً في ظل تاريخ من الإخفاقات العربية في مواجهة إسرائيل؟ أم أن ما قامت به «حماس» هو محل نقاش، وأن قضية النجاح أو الصمود تتعلق فقط بجانبها المقاوم وشجاعة عناصرها وإيمانهم العقائدي القوي، وليس نجاحاً في الإدارة والحكم والتنمية، بحيث لا يمكن الترويج لـ«نموذج حماس» في إدارة قطاع غزة، إنما لنموذجها المقاوم المرتبط بوجود الاحتلال، وإنه في حال زواله لا توجد مؤشرات على وجود قدرات لـ«حماس» لتقديم نموذج «نجاح» في إدارة الدولة الفلسطينية الواعدة.

والحقيقة أن سؤال: هل «ستُنعش» حركة «حماس» حركات الإسلام السياسي؟ وهل ستساهم في استعادتها ولو قدراً من حضورها بعد تجارب إخفاق كبيرة شهدتها في الحكم والإدارة، وخصوصاً في مصر مع جماعة «الإخوان المسلمين» التي تنتمي «حماس» لمدرستها الفكرية والسياسية، قبل أن تعلن فك ارتباطها بهيكلها التنظيمي؟

الحقيقة أن تجربة «حماس»، حتى لو لم تُهزم في معركة غزة، وبقي جانب من قوتها التنظيمية والعسكرية كامناً، فإن ذلك لن يؤدي إلى إحياء جديد لتيارات الإسلام السياسي.

والحقيقة أن السبب في ذلك يرجع إلى أن نموذج «حماس» يعتمد على المقاومة، ورغم أن هناك من لا يتفق مع أدواتها وأساليبها في المقاومة، فإن الخلاف يتسع إذا انتقلنا من النقاش حول المقاومة إلى نموذج الحكم، والإدارة، والخطاب العقائدي، والسياسي.

إن المطروح بالنسبة لفصائل وتيارات الإسلام السياسي، ليس البحث عن نموذج مقاومة، إنما نموذج حكم وإدارة، وإن النقاش في معظم البلاد العربية يدور حول الحكم الرشيد ودولة القانون والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وهي كلها قضايا لم تنجح فيها «حماس»، ولم تهتم بها، ولم تكن ضمن أولوياتها، في حين أن معظم الدول العربية تنتظر حلولاً وإجابات لهذه التحديات والمشكلات.

عملية 7 أكتوبر المفاجئة، ونجاح المناورة الحمساوية والخداع الاستراتيجي الكبير في مواجهة إسرائيل، نال دعم قطاعات واسعة من الشارع العربي تجاوزت تيارات الإسلام السياسي، واعتبرها كثيرون رداً على جرائم الاحتلال، كما أن الصمود في غزة دفع ثمنه نحو 28 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، مما أثار تعاطف الرأي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني، بدوافع إنسانية وحقوقية بعيدة عن البناء العقائدي لحركة «حماس»، ومعظم تيارات الإسلام السياسي في العالمَين العربي والإسلامي.

«حماس» لن تُنعش ولن تحيي تيارات الإسلام السياسي؛ لأن الجوانب المضيئة فيها ليست هي المطلوبة في العالم العربي، ولن تزيد من قوة تيارات الإسلام السياسي التي تعاني من مشكلات هيكلية في بنية مشروعها السياسي، وفي قدراتها على الإدارة والحكم.

ومع ذلك، هناك مساحة يمكن أن تؤثر فيها لا تتعلق بـ«حماس»، إنما بقراءتنا لـ«حماس»، وإن هذه القراءة يمكن أن تنسحب على تيارات الإسلام السياسي أو جماعات التطرف، وتتمثل في اعتبار كثير من المثقفين العرب أن «حماس» ليست نبتاً شريراً هبط من السماء على قطاع غزة، إنما هي نتاج سياق اجتماعي وسياسي صنعه الاحتلال، فيه من الظلم والقهر والإذلال الكثير، وإن عملية 7 أكتوبر كانت بسبب مرارات كثيرة مستمرة منذ عقود، كما قال أمين عام الأمم المتحدة.

الجانب الأكبر من الكتابات العربية والعالمية انطلق من فرضية أن «حماس» سبب أو عرض لمرض اسمه الاحتلال، وبزواله يمكن أن تظهر «حماس» أخرى أو جديدة أو تيار سياسي ديني محافظ «وغير حمساوي»، ولنا في إسرائيل نموذج في انتشار أحزاب دينية متطرفة، ولكنها جزء من اللعبة السياسية والديمقراطية، ويقبلها العالم، حتى لو انتقدها.

النقاش العالمي حول حرب غزة يدور بين رؤية إسرائيل وحلفائها التي تري أن فصائل المقاومة مجموعة من القتلة والإرهابيين، تحركهم نوازع دينية «شريرة» ويجب القضاء عليهم وقتلهم، دون أي بحث في الظروف التي أدت إلى جعلهم إرهابيين وفق التعبير الإسرائيلي؛ لأنها تهرب من السؤال حول أسباب وجود العنف وانخراط كثير من الشباب الفلسطيني في فصائل المقاومة، وتضحيتهم بحياتهم من أجل تحرير بلادهم.

المقاربة العربية والعالمية بما فيها المعارضة لـ«حماس»، اعتبرت أن «حماس» وفصائل الإسلام السياسي نتاج مكون عقائدي، وأيضاً -أو أساساً- واقع سياسي أليم يخيم عليه الظلم والقهر، ولكي يشهد العالم «حماس الجديدة» لا بد من زوال الاحتلال، وتلك ربما الرسالة الأهم التي تبناها كثير من العرب في مواجهة السردية الإسرائيلية التي اعتبرت أن «حماس» نتاج الثقافة العربية الإسلامية، وتَأَصُّل ثقافة العنف لدى الشعب الفلسطيني.

ستؤثر حرب غزة على أهمية امتلاكنا لمقاربة أكثر اجتماعية وأكثر سياسية، في التعامل مع ظواهر التطرف والعنف وتيارات الإسلام السياسي، ولا بد -كما فعل كثير من التجارب العالمية- من أن نضع سؤال: لماذا ظهر التطرف؟ وما أسبابه؟ قبل الشروع في مواجهته والقضاء عليه، بتعبيرات رئيس الحكومة الإسرائيلية في مواجهة «حماس»، فالمؤكد أنه ومنظومته لن يستطيع اجتثاث «حماس»، وأن المطلوب تغيير الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي أنتجتها، وهنا يمكن أن نتحدث عن إضعاف أو تهميش، وليس اختفاء أو اجتثاث.