حلوى القطائف... زاد الصائمين وبهجتهم

منذ 7 أشهر 81

ملخص

سحرها يكمن في طريقة إعدادها التي لا تزال كما هي منذ القدم، إذ تصنع يدوياً بصورة كاملة ويمكن حشوها بمختلف الأغذية وتتطلب مقومات اقتصادية بسيطة.

القطائف هي حلوى من فئة الأكلات ذات الحكاية المسلية، فهي إلى جانب طعمها اللذيذ وخصائصها الغذائية الفريدة، حلوى تطورت حكايتها بصورة دائمة منذ القدم مروراً بزمن العولمة وانتشار الآلة والتقنيات. لكن سحرها يكمن في طريقة إعدادها بسهولة، إذ ما زال إعدادها ممكناً بطريقة يدوية، كما يمكن حشوها بمختلف الأغذية ضمن مقومات اقتصادية بسيطة.

لذلك وعلى رغم تقدم الزمن ظلت أخبار حلوى القطائف ضمن أخبار شهر رمضان الكريم المنتظرة، خصوصاً في ما يتعلق بسؤال الناس عن أسعارها باستمرار، نظراً إلى أنها حلوى ارتبطت بشريحة واسعة من الناس البسطاء في كل المجتمعات العربية والإسلامية قديماً وحديثاً.

مكافحة الجوع

على رغم مرور قرون من الزمن على ابتكارها لا تزال تخبز ضمن شكلها التقليدي المحبب، واستمرت سطوة القطائف في رمضان لتهيمن هذه الحلوى البسيطة على كل الأنواع الأخرى المعاصرة المترفة، الغربية منها والشرقية، والسبب هو إمكاناتها الغذائية مع البساطة التي تصل إلى درجة السذاجة مما جعلها حلوى دسمة.

من جهة ثانية، صدرت هذه الحلوى العريقة من مخيلة عربية قديمة طغى عليها عامل إهمال الشكل بهدف زيادة القيمة الغذائية، مما رفع من قدرة هذا الطبق الصغير على محاربة الجوع في شهر الصيام.

طريقة_عجينة_القطايف.jpg

ومكافحة الجوع والعطش هي مهمة مقدسة يتصدى لها الصائم طوال أيام وليالي شهر رمضان الكريم، وفي بداية أيام الصوم قديماً إبان الخلافة الأموية والعباسية والأندلسية شارك أمراء وشعراء في نشر هذه الفكرة، وعبروا من خلال علاقتهم بالطعام عن نمط ثقافي وغذائي فريد امتد أثره حتى أيامنا هذه.

يؤكد كثير من المراجع التاريخية أن رغبة بعض الخلفاء الأمويين قديماً في الحصول على طعام حلو يبقى في المعدة لأطول فترة ممكنة حتى لا يشعروا بالجوع قاد طهاتهم إلى اختراع معجنات مسكرة ومشبعة بالدهون لكي تهضمها المعدة في ساعات أطول.

من جهة أخرى، ذكرت مصادر ذات اهتمامات بيئية على شبكة الإنترنت أن طعم القطائف في زمننا هذا أصبح مرتبطاً بالمتغيرات البيئية، بسبب تراجع المصادر الطبيعية لمكوناتها في بعض بقاع العالم، ومن أشهرها الأجبان والعسل.

أشهر من تناولها

أشهر من تناول القطائف بكثرة هو الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك، في حين استمر سحرها وأثرها إلى العهدين العباسي والأندلسي لأنها صنعت في شهر الصيام على شكل الهلال، كما عرفت القطائف وانتشرت كثيراً في العصر الإسلامي الفاطمي في مصر (909 - 1171م).

والقطائف ببساطة هي عبارة عن فطيرة تؤكل نيئة أو بعد أن تخبز قليلاً في صحن أو مقلاة أو على "الصاج"، إذ تصب عجينتها السائلة على شكل أرغفة صغيرة من الخبز فوق الصفيح الساخن، وتلف بعد الخبز على شكل هلال، وتحشى بأنواع مختلفة من المكسرات والسكريات والأجبان وفق رغبة الصائم وضمن نطاق مقدرته الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع الوقت تحولت حلوى القطائف إلى أيقونة رمضانية معاصرة، وشكلت حديثاً كتلتها الثقافية العريقة على رغم تغيرات الزمن، في ما تفنن الناس في وقتنا هذا بطرق إعداد وتناول هذا الطبق الرمضاني المغذي واللذيذ.

وتعبر ثقافة حلوى القطائف في زمننا عن نقلة نوعية في إعداد الطعام الجاهز، إذ تحضر غالباً في المتاجر والمخابز فيما كانت قديماً منزلية على نحو كامل، وأشهر أنواع الحلوى التي تشبه القطائف قديماً هي حلوى "بنت الصحن" التي كانت تخبز مباشرة في الصحون، لكن القطائف انتقلت أخيراً إلى الخبز فوق "الصاج"، ودخلت الآلات في تصنيعها بصورة ملحوظة لتسريع وتيرة البيع ولتلبية الطلب المتزايد عليها قبيل ساعة الإفطار.

أيقونة ممتدة

تفيد دراسات كثيرة بأن الأيقونة الاجتماعية والثقافية التي كونتها حبة القطائف منذ أواخر العصر الأموي (132 هـ) ما زالت تكبر، بل إنها توسعت حديثاً فصارت لها أبعاد اقتصادية وبيئية وسياسية أحياناً لأن تسعيرة الطبق الشعبي المرتبط بالبسطاء من الناس تحولت في زمننا هذا إلى خبر رئيس يتصدر أخبار الشهر الفضيل، إذ يتزاحم الناس أمام بعض المخابز للحصول على حصة قليلة طازجة من القطائف قبل دخول موعد الإفطار.

وفق الموسوعة العلمية الأوروبية فإن طريقة تحضير العجينة سهلة للغاية، فهي تصنع من الدقيق والحليب ويضاف إليها قليل من الملح وبيكربونات الصوديوم ونصف كوب من اللبن الرائب، ثم تضرب بالخلاط وتترك لمدة نصف ساعة تقريباً، وتكون العجينة متجانسة ورخوة فتسكب على شكل أقراص دائرية بحجم كف اليد تقريباً على صفيحة ساخنة، وتخبز من جهة واحدة فقط، ثم تقدم القطايف باردة ومحشوة بالجوز والسكر وماء الزهر أو بالقشطة.

مع انطلاق موسم الصوم يتسابق الطهاة على مواقعهم وصفحاتهم الإلكترونية لتقديم أحسن الوصفات لعجينة القطائف وحشوتها لأن طرق صناعتها بسيطة ويدوية ولا تحتاج إلى مقادير باهظة الثمن، بل إن كلف إنتاج القطائف قليلة للغاية، فهي من هذه الناحية تنتمي إلى مجموعة من الحلويات الشعبية والتراثية التي أعدتها الأمهات والجدات منزلياً في بيئة الفلاحين قديماً ببلاد الشام والتي لا يتجاوز قوامها العجين والسكر.

إغراء الصائم

والقطائف ليست أكلة دخيلة على المطبخ العربي والشرقي، ويمكن إرجاع جذور هذه الحلوى إلى بيئة الفلاحين الشامية، ووفق نضال البزم في كتابه "أطلس مدن الأردن" (وزارة الثقافة – 2015)، فإن فكرة إعداد القطائف تشبه عدداً لا بأس به من الحلويات الأردنية والفلسطينية واليمنية تحديداً. فـ"اللزاقيات" الأردنية هي طبق شعبي من فئة "السيالات"، وأقرب طبق حلوى يمني قديم مماثل للقطائف هو حلوى "بنت الصحن"، إذ تتكون كل هذه الأطباق البسيطة من طبقات عدة من رقائق العجين الذي خبز على الصاج قليلاً، وسميت هذه المجموعة من المأكولات الحلوة "السيالات" لأن عجينها يُسال على الصاج، فيما سميت "اللزاقيات" لالتصاق طبقات خبزها بالسمن والسكر.

قطايف.JPG

وفي هذا السياق ذكرت مصادر إخبارية يمنية أخيراً أن أبسط أنواع القطائف التي يتناولها فقراء الناس وعامتهم تكون محشوة بالسكر وحده من دون إضافة أنواع ثمينة من المكسرات، بسبب الغلاء الذي طاول بعض السلع التي كانت في عصور الازدهار العربية قديماً مكونات رئيسة لإعداد حلوى القطائف على أصولها.

تقدم القطائف منذ القدم مزينة بمختلف أنواع المطيبات والروائح العطرية مثل ماء الورد لإغراء الصائمين ولكي يستمتع الناظرون إليها فيتسابقون إلى تناولها من الصحون الكبيرة، والقطائف هي الحلوى العربية الوحيدة التي تأخذ شكل الرغيف العربي الدائري الصغير، لذلك تعد من الحلويات النادرة التي يمكن التحكم في طبيعة حشوتها المتغيرة، وتظل على رغم ذلك حلوى متجانسة ويمكن إضافة العسل إليها أيضاً.

سبب التسمية

هناك أكثر من سبب لتسمية القطائف بهذا الاسم، فعجينتها بعد الخبز ذات قوام ناعم حريري يشبه قماش القطيفة المصري الشهير، أما جاذبية الطبق فكانت تؤدي إلى تهافت الأيدي عليه فور حلول وقت الإفطار وبعد انتهاء يوم صوم طويل وشاق، نظراً إلى مكوناته الغذائية العالية وتحضيراً ليوم صوم آخر، مما جعل الصائمين يتسابقون لقطف هذه الوجبة من الصحون الكبيرة التي كانت تقدم فيها وفق طرق عدة، منها على شكل فطيرة عنقودية أو شجرة يقطف الضيوف منها، وهذا هو السبب الرئيس وراء التسمية.

وتحمل حلوى القطائف عبق الماضي وتوثق لفترة حيوية من زمن المطبخ العربي- الإسلامي لأنها مثلت عبر الزمن فكرة نقل المطبخ العربي من الطعام التقليدي المعتمد كلياً على رغيف الخبز، وصولاً إلى دخول ذلك المطبخ فترة غذائية مزدهرة تحولت فيها الحلوى إلى طبق رئيس ومنافس لأطباق الطعام كافة، وأصبحت الحلوى في رمضان طبقاً متكرراً لا يشبع الصائمون منه ولا يقدرون على صيام يوم آخر من دون الحصول عليه.