في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2021، أعلنت لجنة إعادة إعمار قطاع غزة بناء ثلاث مدن سكنية تمنح بالدرجة الأولى لأصحاب البيوت المدمرة في الحروب المتكررة مع إسرائيل، وللعائلات ذوي الدخل المحدود، إضافة إلى الأسر التي لا تملك مسكناً وتلك التي تعيش في بيوت بالإيجار.
والمشروع الذي انتظره جميع سكان غزة بفارغ الصبر وبالتحديد أصحاب البيوت المدمرة، وكانوا ينتظرون انتهاء المدة المحددة لاستكمال عملية البناء وإنهاء التجهيزات من أجل تسلم وحداتهم السكنية الجديدة لم يتحقق حلمهم، إذ صرح وكيل وزارة الأشغال والإسكان وهي المؤسسة الحكومية المشرفة على المشروع، أن تلك الشقق ستباع بسعر 50 ألف دولار أميركي للشقة الواحدة ذات مساحة 140 متراً.
إعمار غزة
وصاحبت التصريح ضجة كبيرة وسخط على السعر المعلن للبيع في غزة، كما أثار ذلك استياء السكان بشكل كبير، لا سيما وأن هذه المدن السكنية جاءت على شكل تبرعات دولية للمواطنين المتضررين ولم تكن مشاريع استثمارية، ورأى مراقبون أن هذه التصريحات جاءت في إطار جس نبض موقف الناس ومعرفة توجهاتهم.
وفي التفاصيل فعقب انتهاء القتال العسكري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في مايو (أيار) 2021، قادت مصر مع السلطات الفلسطينية عملية إعادة إعمار غزة وتعهدت بتقديم 500 مليون دولار أميركي لإعادة إعمار المنازل المدمرة.
وبدأت اللجنة المصرية - الفلسطينية الموكلة بالتنفيذ إنشاء ثلاث مدن سكنية تشمل 117 بناية تضم 2500 وحدة سكنية.
الوحدات السكنية ستمنح بالدرجة الأولى لأصحاب البيوت المدمرة في حرب غزة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
وبحسب وكيل وزارة الأشغال والإسكان ناجي سرحان فإن الوحدات السكنية ستمنح بالدرجة الأولى لأصحاب البيوت المدمرة في الحرب، وستكون للعائلات ذات الدخل المحدود والمتوسط، إضافة إلى بعض المستفيدين الآخرين.
وسيجري توزيعها بإشراف مباشر من وزارة الإسكان التابعة للسلطة الفلسطينية ولجنة إعمار غزة التي تضم جهات دولية وحكومية.
منحة مدفوعة
وفي بداية الأمر كانت وزارة الأشغال والإسكان بصفتها المسؤول الأول عن المشروع وعملية إعادة إعمار غزة، تتحدث عن تقديم هذه الوحدات السكنية على شكل منحة للمتضررين والفئات الهشة، إلا أنها تراجعت عن ذلك وقررت توزيعها بنظام الدفع بالتقسيط.
ويقول سرحان إنه تم تقديم عدد من الخطط لجهات الاختصاص حول طرح الشقق وتوزيعها، وهناك آلية للاستفادة من الوحدات السكينة التي لا تزال في طور الإنشاء على بيعها بنظام الأقساط، والسعر المطروح هو 50 ألف دولار للوحدة السكنية الواحدة ذات مساحة 140 متراً، وتدفع الدفعات النقدية على مدى 15 سنة، لافتاً إلى أنه لم يتم تحديد الأسعار بشكل نهائي.
ويضيف، "هذه الأقساط توضع في صندوق خاص للاستفادة منها في بناء وحدات سكنية أخرى حتى يستفيد أكبر عدد من سكان غزة، لأن حاجات القطاع من السكن أكبر بكثير من مدن أخرى، ونقوم بذلك بسبب عزوف المانحين عن إعادة إعمار غزة بشكل متكرر، إذ لا يوجد لحد اللحظة أي تمويل لبناء الأبراج".
ويشير سرحان إلى وجود "إشكال عدم توافر الأموال، وهناك أسر بالفعل تقدمت بطلبات لإعادة ترميم بيوتها منذ 10 سنوات ولا تزال تنتظر، واليوم عندما نعود لزيارتهم نجد أن بيوتهم لا تصلح للترميم بل تحتاج إلى إعادة بناء من جديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سخط
هذه المعطيات رفضها سكان غزة الذين اعتبروا أن الأمر فيه مبالغة غير منطقية، ويقول الناقد يسري العثماني إن "المدن السكنية جاءت على شكل تبرعات وليست مشروعاً استثمارياً للحكومة في غزة من أجل زيادة أموالها، وهذا يدفع إلى التساؤل حول لماذا يتم بيعها على رغم أنها مساعدة للسكان الذين أكلهم الفقر".
ويضيف، "السعر المطروح خيالي وهو 50 ألف دولار في مقابل 140 متراً، هذا شيء من الجنون وعدم الرحمة للسكان الذين من الأساس لا يملكون هذا المبلغ".
وتركزت معظم الانتقادات حول السعر المطروح التي تم وصفه بـ "الخيالي"، ويستند السكان في ذلك إلى كثير من المعطيات، أبرزها أن شراء وحدة سكنية في وسط غزة بمساحة مماثلة قد لا يتجاوز 35 ألف دولار، وهذه تكون لمالكها الذي دفع فيها كثيراً وليست منحة للمتضررين من الحروب، كما يرى المنتقدون.
وبالتدقيق أكثر فثمن الشقة في مدينة غزة أصلاً لا يتجاوز 40 ألف دولار، فيما سعر متر الأرض بالقرب من موقع بناء المدن السكنية لا يتجاوز 70 دولاراً أميركياً، وعادة لا تتجاوز كلفة بناء وحدة سكنية 30 ألف دولار، مما يعني أن سعر الشقة وفق تقييم الوزارة أعلى من سوق العرض.
بالون اختبار
وفي المقابل نفت وزارة الأشغال والإسكان حديث وكيلها ناجي سرحان، وقالت إنه لم يتم تحديد الأسعار ولم يتم الانتهاء من البناء، وسيجري ذلك بإشراف رسمي من المانحين، لكن للباحث الاقتصادي مازن العجلة رأي آخر، إذ اعتبر أن ما قامت به الجهة المسؤولة عن بناء المدن السكنية هو "بالون اختبار لقياس ردود الفعل العامة وجس نبض الجمهور حول السعر ونظام البيع، وعندما وجدوا ضجة كبيرة حول الموضوع أعلنوا أنهم لم يحددوا السعر بشكل نهائي ورسمي".
ويضيف، "فكرة بيع الوحدات السكنية من ناحية اقتصادية جيدة، لكن ليس في ظروف مثل التي تعيشها غزة، بخاصة وأن السكان لا يستطيعون دفع هذا السعر حتى لو بالتقسيط، لأن الفقر والبطالة منتشرتان بشكل ضخم بينهم، كما أن بالون الاختبار هذا يؤكد أن المسؤولين الرسميين بعيدون من واقع حياة سكان غزة، ويعيشون في عالم آخر بعيداً من الفقر وانعدام الأمن الغذائي وندرة فرص العمل".