حكم قتل الجاسوس في فلسطين المحتلة

منذ 11 أشهر 162

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالراجح من قولي أهل العلم هو مشروعية قتل الجاسوس؛ وهو ما دلّ عليه حديث حاطبِ بنِ أبي بلتعة في الصحيحين وغيرُهما، عن عليٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((بَعَثَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبيرَ والمقدادَ، فقال: ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإن بها ظَعِينةً معها كتابٌ، فخذوه منها، فانطلقْنا تَعَادى بنا خيلُنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أَخْرِجي الكتاب، فقالت: ما معي كتابٌ، فقلنا: لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لَنُلْقِيَنَّ الثيابَ، فأخرجتْه من عِقَاصِهَا، فأتينا به رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: من حاطبِ بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يُخْبِرُهُمْ ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا حاطبُ ، ما هذا؟!))، قال: يا رسولَ الله، لا تَعْجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قريش، ولم أكن من أَنْفُسِهِا، وكان مَنْ معكَ من المهاجرين لهم قَرَابَاتٌ بمكةَ، يَحْمُونَ بها أهليهم وأموالَهم، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النَّسَبِ فيهم أن أَتَّخِذَ عندهم يدًا، يَحْمُونَ بها قَرَابَتِي، وما فعلتُ كفرًا، ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد صَدَقَكُمْ))، قال عمر: يا رسولَ الله، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا المنافق، قال: ((إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لعلَّ اللهَ أن يكون قد اطَّلَعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتُم ، فقد غفرتُ لكم))، فأنزل اللهُ السورةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}".

فالحديث ظاهر في أن ما فعله حاطب يقتضي كفره ويوجب قتله، ولكن وجد مانع من الحكم وهو كون بدريًا؛ لأن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل حاطب، ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل قتله إنه مسلم، وإنما ذكر مانعًا من قتله وهو شهوده بدرا، والحديث يدل بفحواه على جواز قتل الجاسوس ما لم يكن بدريًا، وهو مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يقتل، وهو ظاهر مذهب أحمد.

قال الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد (4/ 128): "... وتأمل قوله لعمر وقد استأذنه في قتل حاطب فقال: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم"، كيف تجده متضمنًا لحكم القاعدة التي اختلف فيها أرباب الجدل والأصوليون، وهي أن التعليل بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضي؟ فعلل النبي صلى الله عليه وسلم عصمة دمه شهود بدرًا دون الإسلام العام، فدل على أن مقتضى قتله كان قد وجد، وعارض سبب العصمة وهو الجِس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن عارض هذا المقتضي مانع منع من تأثيره، وهو شهوده بدرًا، وقد سبق من الله مغفرته لمن شهدها، وعلى هذا فالحديث حجة لمن رأى قتل الجاسوس؛ لأنه ليس ممن شهد بدرًا، وإنما امتنع قتل حاطب لشهوده بدرًا". اهـ.

كما أن ما فعله حاطب هو صورة من صور موالاة الكفار، والتي حُكْمُها، إما الكفرُ المُخْرِجُ مِن المِلَّةِ - إن كانت الموالاةُ حُبًّا في انتصار الكفار، وَعُلُوِّ شَوْكَتِهم على المسلمين – وإما معصيةٌ كبيرةٌ - إن كانت مُصَانَعَةً للمشركين، ومُداراةً، أو كان متأولاً؛ وعلى هذا يتنزل فعل حاطب؛ ولذلك أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على حاطبٍ فِعْلَتَهُ، ولم يرفع عنه وصف الإيمان، بل قَبِلَ عذره، وأثبت تأثير حسناته في تكفير ذنبه، وإنما فَعَلَ ما فعل مصانعةً لكفار قريش، وليس موالاة لهم؛ وقولَه - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد صَدَقَكُمْ))، وفي رواية: ((خَلُّوا سبيلَه)) - ظاهرٌ في أن النبي صلى الله عليه وسلم  عذره بتأويله؛ ومن ثمّ لم يكفر بذلك، وإنما فعل ما فَعَلَ؛ بتأولٍ فاسد يعذر به.

 قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (7/ 523): "وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة، فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرًا؛ كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}[الممتحنة: 1]، وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك، فقال: لسعد بن معاذ: كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله، قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية؛ ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبًا منافقًا، فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال إنه شهد بدرًا، فكان عمر متأولاً في تسميته منافقًا للشبهة التي فعلها، وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين، هو من هذا الباب.

وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم: منافق وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين". اهـ.

 هذا؛ ومن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن أعمال الجوارح الظاهرة لازمة لإيمان القلب، وأن الإيمان ينافي الكفر؛ فالقلب إذا تحقق ما فيه أثَّر في الظاهر ضرورة لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر؛ ومن ذلك موالات  الكفار؛ قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة: 22]، فمحال أن تجد مؤمنًا بالله واليوم الآخر موادٍ لأعداء الله ورسوله؛ فنفس الإيمان ينافي مودتهم، فوجود حب الله ورسوله في القلب يستلزم موالاة المؤمنين، وبغض الكافرين، والجهاد في سبيل الله موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه؛ وهذا التلازم ضروري؛ قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24]،

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين} [المائدة: 51، 52] إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56]، وقد نفي الله عز وجل الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه؛ كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، والآيات بهذا المعنى أكثر من أن تحصر، ومقتضاها أن موالاة الكفار، ومظاهرتهم على المسلمين كفر أكبر مخرج من الملة.

قال الإمام أبو جعفرٍ الطبري عند تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28]: "لا تتخذوا - أيها المؤمنون - الكفارَ ظَهْرًا وأنصارًا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين، وتَدلُّونهم على عَوْراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ}، يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه؛ بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر، {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}: إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتُظْهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتُضْمروا لهم العَدَاوَةَ، ولا تُشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تُعينوهم على مُسلم بفعل". اهـ. "جامع البيان". (5/ 315)

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(7/16-17) :

"من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه، بحيث إذا كان الإنسان مؤمنًا لزم ذلك بغير قصد منه ولا تعمد له، وإذا لم يوجد دلّ على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب؛ قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يوادَّ المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه؛ كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب؛ ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}[المائدة: 80]، فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط، بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط؛ فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: 81]، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء، ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه؛ ومثله قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنًا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم؛ فالقرآن يصدق بعضه بعضا". اهـ.

وقال أيضًا (28/ 193): "وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 25، 26]، تبين أن موالاة الكفار كانت سبب ارتدادهم على أدبارهم؛ ولهذا ذكر في " سورة المائدة " أئمة المرتدين عقب النهي عن موالاة الكفار.

قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: 51]، {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ}[المائدة: 41]، فذكر المنافقين والكفار المهادنين، وأخبر أنهم يسمعون لقوم آخرين لم يأتوك، وهو استماع المنافقين والكفار المهادنين للكفار المعلنين الذين لم يهادنوا". اهـ.

جاء في "ظلال القرآن": "... إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيءٌ، واتخاذَهم أولياءَ شيءٌ آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، بوصفه حركةً منهجية واقعية، تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض، وَفْقَ التصور الإسلامي، الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية، وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحِسُّ النَّقِيُّ بحقيقة العقيدة، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة، وطبيعةِ موقف أهل الكتاب فيها، ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب، والبِرِّ بهم في المجتمع المسلم، الذي يعيشون فيه مَكْفولِي الحقوق، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة، ناسينَ ما يُقَرِّرُهُ القرآن الكريم من أن: أهلَ الكتاب بعضُهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأنٌ ثابت لهم، وأنهم يَنْقِمُون من المسلم إسلامه، وأنهم لن يَرْضُوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويَتْبَعَ دينهم، وأنهم مُصِرُّون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة، وأنهم قد بَدَتِ البغضاء من أفواهم، وما تخفي صدورهم أكبر..... إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة .

إن المسلم مطالَب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه مَنْهِيٌّ عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة، فإن هذا لن يبلغ أن يَرْضُوا له البقاءَ على دينه وتحقيق نظامه، ولن يَكُفَّهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له.

وسذاجةٌ أيُّةُ سذاجةٍ، وغفلة أية غفلة، أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً، نسلكه للتمكين للدين أمام الكفار والملحدين؛ فهم مع الكفار والملحدين، إذا كانت المعركة مع المسلمين.

وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السُّذَّج منا في هذا الزمان، وفي كل زمان؛ حين يفهمون: أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض؛ للوقوف في وجه المادية والإلحاد؛ بوصفنا جميعاً أهلَ دين! ناسين تعليمَ القرآن كله؛ وناسين تعليم التاريخ كله". اهـ. مختصرًا

إذا تقرر هذا فقتل الجاسوس مشرع؛ لكفّ شره عن المسلمين، سواء كان الجاسوس كافرًا أو مسلمًا.

كما يجوز التشهير به عند قتله إن كان في ذلك ردع لكل من تسول له نفسه التجسس على المسلمين.

والذي يظهر أن الجاسوس كافر؛ لأنه لازم لموالاة الكفار التي تضاد الإيمان،، والله أعلم.