السؤال:
ما حكم شراء شهادات ادخار من بنك غير إسلامي والحصول على قرض بضمانها بغرض شراء سيارة خاصة؟
الإجابة:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أمَّا بعد:
فإن شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك التجارية (الربوية) تخضع لنظام القروض الربوية التي تردّ بفائدةٍ معلومةٍ، فهي عبارة عن صكٍّ يُثبت حق المودِع في ماله لدى المصرف، وتنقسم إلى أنواع كثيرة كلُّها من ربا الديون المُجمَع على تحريمه؛ فالبنك التجاري (الربوي) كما هو معلوم ومنصوص عليه في الدساتير، مؤسسة للإتجار في الأموال إقراضًا واقتراضًا، ولذلك أتفقت كلمة المجامع الفقهية في العالم الإسلامي على حرمة التعامل معها إلا فيما هو مباح، وهو قول كل من يعتدُّ به من أهل العلم الأثبات.
إذا علم هذا، فلا يجوز شراء السيارة عن طريق البنك الربوي؛ لأنه من ربا الديون المجمع على تحريمه.
وكون الضمان لقرض السيارة هو شهادة استثمار، يوقع المتعامل في نوعي ربا، ربا الشهادة وربا القرض؛ فهو آكل للربا من جهة؛ وذلك في الفائدة التي يأخذها من شهادة الاستثمار، وموكل للربا من جهة أخرى بدفع الفائدة على قرض السيارة؛ قد روى مسلم في صحيحه أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا ومُوكِلَه))، أي: دافع الفائدة وآخذها.
هذا؛ والربا كبيرة مِن أكبر الكبائر وأقبحها وأغلظها، فلم يتوعد الله على ذنب بالحرب إلا عليه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]، وحرب الله للمرابي ليست كما يظن أنها حجارة تسقط عليه من السماء، وإنما هي حرب تواجهها النفس البشرية، حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة، فأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القوة الجبارة الساحقة الماحقة؟! من ثمّ قال (حرب) بتنكير حرب؛ لقصد تعظيم أمرها، فإن من حاربه الله ورسوله لن يفلح أبدًا، وفيه إيماء إلى سوء الخاتمة إن لم يتب، فهي إذن حرب أعلنها الله على المتعاملين بالربا، وهي مسعرة تأكل الأخضر واليابس من الإنسان وهو غافل، حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة، حرب الغبن والظلم، والقلق والخوف، نسأل الله العفو والعافية،، والله أعلم.