حقل كركوك... إعادة تطويره في مئويته

منذ 1 يوم 24

بعد مفاوضات طالت أكثر من عقد من الزمن، وقَّعت شركة «نفط الشمال»، المتفرعة عن «شركة النفط الوطنية العراقية»، في شهر مارس (آذار) مع شركة «بريتش بتروليوم (بي بي)» اتفاقاً لإعادة تطوير حقل كركوك العملاق. تعدّ «بي بي» أن الاتفاق سيضعها في موقع استراتيجي في العراق، نظراً إلى أهمية حقل كركوك في صناعة النفط العراقية.

ومن جهتها، أعلنت وزارة النفط العراقية، في بيان مقتضب صدر قبيل التوقيع على الاتفاق، أن هذا «المشروع الاستراتيجي المتكامل» يشمل تطوير حقول كركوك الرئيسية: باي حسن، وكركوك بقبتَيه (بابا وآفانا)، وجمبور، وخباز، بما يضمن استثمارها الغاز المصاحب، وتوسعة وتأهيل منشآت الغاز في شركة غاز الشمال. ويبلغ مجموع الاحتياطي الثابت لهذه الحقول، نحو 12.1 مليار برميل، بحسب «استشارية التنمية والأبحاث» النرويجية. ويشمل الاتفاق أيضاً إنشاء محطة كهرباء بطاقة 400 ميغاواط.

وأشار الخبير النفطي العراقي في «استشارية التنمية والأبحاث» في النرويج، أحمد موسى جياد، في مذكرة له، إلى أن البيان الصحافي «لا يشمل الشروط الفنية والتعاقدية، ومن ضمنها الموديل الاقتصادي للمشروع، استناداً إلى مذكرات التفاهم التي جرى توقيعها في لندن، والتي استهدفت ضمان أفضل الشروط والمنافع التعاقدية للجانب العراقي»، التي ذكرها بيان الوزارة.

اكتشفت شركة «البترول التركية» قبة باباغرغر، حقل كركوك عام 1927، مما يجعله أول حقل نفط عملاق يتم اكتشافه في الدول العربية. وبناءً على المساومات بين دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) الفائزة في الحرب العالمية الأولى، واتفاقية «سايكس بيكو»، تحوَّلت ملكية الحقل، بموافقة الحكومة العراقية إلى شركة «بترول العراق»، ومقرها في لندن ويملكها كونسورتيوم بقيادة «بريتش بتروليوم». تم تطوير الحقل وبدأ الإنتاج منه بحلول عام 1934. وتم أول تصدير من الحقل عبر خط أنابيب يمتد إلى الساحل السوري، ثم أعقبه خط أنابيب إلى حيفا في فلسطين. وقد تم «تفكيك» هذا الخط الذي امتد عبر الأراضي الصحراوية في العراق والأردن إلى حيفا حال إعلان دولة إسرائيل في عام 1948.

يقترب الإنتاج النفطي من الحقل لنحو قرن من الزمن تقريباً. وقد زوَّد في الأعوام الأولى من اكتشافه، حيث شكل عماد الصناعة النفطية العراقية، معظم الاستهلاك الداخلي العراقي، بالإضافة إلى أسواق الدول العربية المجاورة. وشُيدت خطوط تصدير عدة منه إلى الأسواق العالمية والعربية، خصوصاً الأسواق الأوروبية والولايات المتحدة. إذ تم تشييد خطوط كركوك - بانياس، وكركوك - طرابلس، وكركوك - حيفا. وتعدّ خطوط التصدير هذه كلها تفاهماً مهماً ضمن اتفاقية «سايكس بيكو» حيث تقاسمت بريطانيا وفرنسا غنائم الأقاليم العثمانية في المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأولى.

يذكر أن معظم الخطوط المذكورة، إما قد تم تفكيكها (خط حيفا، بأمر من الحكومة العراقية في 1948 حال إعلان دولة إسرائيل)، أو إغلاقها، (خط طرابلس، إثر تفجيرات في الخط في القسم اللبناني منه)، أو تقليص الإمدادات لها (خط بانياس). وشيدت بغداد خطاً جديداً في منتصف عقد الثمانينات يمتد من كركوك إلى ميناء جيهان التركي بطاقة 1.50 مليون برميل يومياً، نظراً للعراقيل التصديرية التي أثارتها دمشق في أوائل عقد الثمانينات، ضمن سياستها الموالية لإيران ضد العراق. وتشير تجربة خطوط الترانزيت هذه إلى صعوبات في تجارة ترانزيت النفط العربية؛ مما دفع عدداً من الدول العربية المُصدِّرة للابتعاد عنها؛ نظراً للمخاطر الجيوسياسية التي تلحق بها.

وقد أصابت حقل كركوك شظايا الحروب الإقليمية والداخلية التي شهدها العراق خلال العقود الماضية، منها: إعادة حقن فائض «الفيول أويل» في الحقل خلال الحرب العراقية - الإيرانية. وقد أدت هذه العملية إلى «أضرار» جسيمة في الحقل. ثم استولت قوات «البيشمركة» الكردية على الحقل، خلال النزاع الداخلي في عام 2017 ما بين بغداد وأربيل. وتمَّت معالجة هذا الموضوع بعد استفتاء 2017 والإنذارات التي وجَّهتها الحكومة العراقية لسلطة إقليم كردستان، فانسحبت «البيشمركة» من الحقل، وتسلمت الحكومة العراقية مسؤولية الحقل؛ حيث تولت شركة «نفط الشمال» مسؤولية إدارته.

تثير إعادة تطوير الحقل، أسئلة عدة؛ فقد اضطر العراق بعد نحو قرن من الزمن للعودة إلى التعاقد مع الشركة التي عملت على تطويره في بداية اكتشافه. هذا مع العلم أنه قد توفر للعراق المئات، بل الآلاف، من الخريجين النفطيين طوال هذه العقود، وأن العراق استطاع أن يدير من خلال مؤسساته وشركاته الوطنية الصناعة النفطية للبلاد منذ تأميم الصناعة في أوائل عقد السبعينات. والجواب الواضح لهذا هو: آثار النزاعات والحروب التي قصمت ظهر البلاد في العقود الماضية وأدت إلى تهجير مئات المتخصصين، وضعضعة خبرات المؤسسات النفطية الوطنية من خلال تفريغها من الخبراء المتمرسين.