حقائق يجب قولها وبصراحة

منذ 1 سنة 325

كانت طهران، عاصمة الولي الفقيه، ولا تزال هي حجر الرحى والأساس لاستقرار هذا النظام الدموي، وكما قال يوماً القائد السابق لـ«مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة مسعود رجوي، فإن طهران الكبرى كانت هي الخط الأخير لجهاز أمن الشاه أي «السافاك»، وهي كذلك أيضاً لـ«قوات الحرس الثوري» التابعة لـ«ديكتاتورية الملالي»... التي تحول هذا البلد في عهدها إلى مستنقع دموي بالفعل!
في ليلة سبت فائتة من سبتمبر (أيلول) الماضي وفي منطقة «نازي آباد»، المنطقة الفقيرة، التي مع ذلك تعد من أهم المناطق جنوب العاصمة طهران... هتف آلاف المتظاهرين الإيرانيين الذين قد سيطروا على هذه المنطقة وطردوا الحرس والشرطة: أنّ هذا العام هو عام الدم وتجب الإطاحة بسيد علي (إشارة إلى علي خامنئي)»... و«الموت للديكتاتور»!
ثم إنّ أهل شمالي طهران، المنطقة السكنية الغنية، قد خرجوا أيضاً ليهتفوا ضد «خامنئي»: «الحرية... الحرية، الحرية»، وإنّ هذا كان يتردد في المدن الإيرانية كلها؛ حيث بات الهتاف السائد هو «الموت للديكتاتور... تجب الإطاحة بسيد علي». كل ذلك بقي يجري ولا يزال فيما يتحسر حسن نصر الله الذي كان يسير خلف خامنئي ورئيسي ويتمتم: «قفا نبكِ من ذكرى نظام... ومرشد»!
لا يزال نظام الملالي في إيران يصر على إغراق بلاده في مستنقع دموي داخلي، فيما يصدر عبر أدواته وأذرعه الخارجية الفوضى والخراب إلى دول الجوار العربي، التي ما كانت يوماً إلا حريصة على حسن الجوار مع هذا «الشقيق» الإيراني، واتقاء شره، سواء إن كان ذلك في فترة ثورة الخميني وإن كان أيضاً ما قبل تلك الثورة.
يجب أن تصل الرسالة واضحة إلى نظام الملالي في طهران وإلى «الولي الفقيه» الذي يمعن اليوم في قتل شعبه ورفض مطالباته بالحرية والكرامة، فيما يحاول تصدير أزماته وخطاياه إلى الخارج، ويوزع الاتهامات يميناً وشمالاً، إلى حدٍّ وصل به إلى أن يتهم المملكة العربية السعودية بدعوى دعمها لثورة الشعب الإيراني ضد الظلم والطغيان الذي يفرضه هذا النظام.
إنه مع دخول الاحتجاجات الإيرانية المناهضة لحكم الملالي شهرها الرابع، التي انطلقت في 16 سبتمبر الماضي عقب وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني بعد احتجازها على يد ما تسمى شرطة الأخلاق بزعم انتهاكها قواعد ارتداء الحجاب، قد وصل عدد ضحايا القمع الدموي «الملالوي» إلى نحو 495 شخصاً كما ذكرت وكالة «هرانا» للأنباء المعنية بحقوق الإنسان. ولم تكتفِ السلطات الإيرانية بذلك، بل زجت بأكثر من 18 ألف مواطن إيراني في معتقلاتها على خلفية هذه الاحتجاجات الشعبية المحقة حقاً، وإنه لا ينفع إيران إلقاء اللوم على الآخرين وهي تمعن قتلاً واعتقالاً لأبناء شعبها المطالبين بالحرية والتخلص من هذا النظام.
إنه بدلاً من أن توزع دولة «الولي الفقيه» اتهاماتها على جيرانها العرب، عليها أن تعود للتاريخ وأن تقف أمام حقائقه.
عام 1979 باتت طهران ملجأ لكبار القياديين في العالم كله، وحقيقة أنه لم يكن هناك من يعتقد أنّ هذه الثورة ستشهد انتكاسة تاريخية وأنها ستأكل أبناءها، وحيث إن حركات التاريخ الثورية قد أكلت أبناءها... كما تأكل القطط أبناءها!
وكان العديد من القادة العرب وفي مقدمتهم بالطبع ياسر عرفات... وإلى جانبه العديد من القادة الفلسطينيين قد استبشروا خيراً بها... وحقيقة أنّ العاصمة الإيرانية قد تحوّلت إلى مثابة لمؤيدي هذه الثورة التي ما لبثت أنْ أصبحت انتكاستها مرعبة، وحيث إن الشعب الإيراني ما لبث أن أدار ظهره إليها... وأيضاً لآية الله الخميني واتخذ طريقاً غير هذه الطريق.
والمعروف أنّ الشعب الإيراني العظيم حقاً كان قد تجاوز تلك اللحظة التاريخية خلال فترة قصيرة، وحيث إن الوسائل الإعلامية الكونية كلها قد تحدثت عن شجاعة هذا الشعب ووقوفه أمام الانحراف والديكتاتورية التي كان قد ورثها «المعممون» عن شاه إيران وورثها الذين جاءوا بعدهم عن آية الله الخميني وأتباعه!
والمؤكد أنّ العرب بغالبيتهم، وهذا إنْ ليس كلهم، ما كانوا مرتاحين للشاه الإيراني محمد رضا بهلوي الذي كانت كل تطلعاته ضد العرب والأمة العربية، لأسباب تاريخية.
والمعروف، وهذا لا خلاف عليه إطلاقاً، أنه بعد بزوغ الشمس الإسلامية قد أصبحت هناك متغيرات جذرية كثيرة بالفعل في هذا الكون بأسره، وأنّ الإسلام قد أصبح وجهة إنْ ليس للبشرية كلها فبمعظمها، وأفاض الإسلام بنوره على شعوب واسعة، منها الشعب الإيراني.
إنّ الحديث عن إيران هذه الحالية والراهنة، هو غير الحديث عن إيران في فترات تاريخية سابقة متلاحقة، فهذا البلد لم يكن مرتاحاً لا في السابق ولا في اللاحق للبروز العربي... فالعرب قد كانوا وعلى الدوام وحتى في المرحلة الإسلامية العظيمة وفي المراحل السابقة أمة ليست خامدة، لا بل إنها أمة متحركة... ويقيناً أنّ الإسلام العظيم قد أعطى لهذه الأمة دفعاً حضارياًّ هائلاً.
ولذلك وبالتأكيد أنه ما كان على الأشقاء الأعزاء الإيرانيين أن يتخذوا كل هذه المواقف السياسية التي اتخذوها ضد العرب... وأنْ يقوموا بما قاموا به... وما زالوا يقومون به... وحيث إن المسلمين وفي أربع رياح الكرة الأرضية يعرفون أنّ الإسلام هو هذا الإسلام العظيم نفسه، وأنّ الانحراف عن هذه الحقيقة هو ما أدى إلى كل هذه الانحرافات التي نراها الآن.
وأنّ المفترض أن إيران دولة إسلامية، وأنه ما كان يجب أن يجري كل هذا الصراع الذي جرى... وما كان يجب أن ترفع راية «التشيع» ضد المسلمين «السنة»... وأيضاً ولا راية السنة ضد الشيعة، فالمؤكد وليس المفترض فقط أنّ الإسلام واحد وأنّ كل هذا الذي نراه بعد الثورة الإيرانية غير جائز على الإطلاق... وبصورة قاطعة أيضاً ولا يجوز تمريره والسكوت عنه وبأي شكل من الأشكال.